الأربعاء، 28 ديسمبر 2016

قرطاج للطيران - طيران كرطاقو

تُعتبر قرطاج للطيران (Karthago Airlines) – أو كما تُعرف محلياً باسم كرطاقو – واحدة من أبرز التجارب في قطاع الطيران التونسي الخاص مطلع الألفية الجديدة. تأسست كرطاقو بهدف تعزيز النقل الجوي السياحي بين تونس وأوروبا، ودعم قطاع السياحة الذي يُعد من أهم روافد الاقتصاد الوطني. يقع مقرها الرئيسي في العاصمة تونس، وتتخذ من مطار جربة جرجيس الدولي قاعدة رئيسية لعملياتها، إلى جانب محاور تشغيلية في مطار تونس قرطاج الدولي ومطار المنستير – الحبيب بورقيبة الدولي.

وتحمل الشركة رمز الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا): 5R، ورمز المنظمة الدولية للطيران المدني (إيكاو): KAJ، ورمز النداء اللاسلكي: KARTHAGO. وقد عُرفت الشركة في بداياتها بجمعها بين أسلوب الخدمة الراقية والتكلفة التشغيلية المتوسطة، مما جعلها منافساً قوياً للشركات الوطنية مثل الخطوط التونسية ونوفلير.

قرطاج للطيران Karthago Airlines

تاريخ قرطاج للطيران وتطورها

تأسست قرطاج للطيران عام 2001 ضمن مجموعة شركات “كرطاقو القابضة” التي كان يمتلكها رجل الأعمال التونسي بلحسن الطرابلسي، أحد أبرز المستثمرين في قطاع السياحة والطيران آنذاك. وفي مارس 2002، أطلقت الشركة أولى رحلاتها التجارية، مستهدفة في المقام الأول قطاع السياحة الأوروبية الوافدة إلى تونس.

وفي عام 2003، دخلت الشركة في تحالف تشغيلي مع شركة نوفلير (Nouvelair)، لتبادل الخدمات التشغيلية والصيانة، وهو تحالف ساهم في تخفيض التكاليف وزيادة الكفاءة التشغيلية. واعتُبر ذلك خطوة مبكرة نحو تكوين تحالفات محلية في سوق الطيران التونسي الذي كان حينها محدود المنافسة.

شهد عام 2006 مرحلة توسّع مهمة؛ إذ أطلقت الشركة رحلات منتظمة تربط باريس-أورلي بجزيرة جربة، وبدأت التخطيط لفتح خطوط جديدة من ليون إلى جربة والمنستير وتونس العاصمة، مستفيدة من اتفاقية "السماء المفتوحة" بين تونس وفرنسا. كما أعلنت عن نيتها رفع نسبة الرحلات المنتظمة إلى نحو 35٪ من إجمالي عملياتها لتتحول من طيران عارض إلى ناقل شبه منتظم.

وفي أغسطس 2006، استعانت “كرطاقو” و“نوفلير” بالبنك الاستثماري الفرنسي إدموند دي روتشيلد لإجراء دراسة جدوى لاندماج محتمل بين الشركتين. وبعد أشهر من المحادثات السرية، تم التوصل في عام 2008 إلى اتفاق نهائي يقضي باندماجهما الكامل.

التحالفات الإقليمية والتوسع الدولي

سعت “قرطاج للطيران” منذ بداياتها إلى التوسع خارج الحدود التونسية، وكان من أبرز مشاريعها إنشاء شركة تابعة في مصر هي كورال بلو للطيران (KoralBlue Airlines) عام 2006، لتشغيل رحلات من شرم الشيخ إلى وجهات أوروبية. وانطلقت أولى رحلاتها في مارس 2007، مستخدمة طائرات إيرباص A320، بهدف ربط المقاصد السياحية المصرية بالأسواق الأوروبية عبر نموذج تشغيلي مشابه لما اعتمدته الشركة في تونس.

هذا المشروع عُد حينها من أوائل المحاولات التونسية لتأسيس شركة طيران خارج الحدود الوطنية، في خطوة جريئة هدفت إلى استثمار الخبرة التشغيلية للسوق التونسي في أسواق سياحية مشابهة. وقد شكلت “كورال بلو” تجربة مهمة في تصدير نموذج الطيران العارض التونسي إلى المنطقة العربية.

اندماج وتحولات كرطاج للطيران بعد 2008

في خريف عام 2008، تمت الموافقة النهائية على اندماج “قرطاج للطيران” مع “نوفلير”، حيث حصلت مجموعة “كرطاقو” على 21٪ من أسهم الكيان الجديد، بينما امتلكت “نوفلير” النسبة المتبقية 79٪. وقد تم تعيين بلحسن الطرابلسي رئيساً تنفيذياً للمجموعة الموحّدة التي احتفظت باسم “نوفلير”، ما جعل الأخيرة أكبر شركة طيران خاص في تونس في ذلك الوقت.

إلا أن الأحداث السياسية في تونس بعد عام 2011 أدت إلى مصادرة أصول مجموعة “كرطاقو” ضمن حملة استرجاع الأموال العامة، وهو ما أثّر على نشاط الشركة السابقة وموظفيها. وقد نظّم العاملون بالشركة عدة احتجاجات للمطالبة بإعادة تشغيل بعض فروعها أو دمجهم في المؤسسات الوطنية للطيران.

ملكية قرطاج للطيران وتركيبتها المالية

كانت كرطاقو مملوكة بنسبة 100٪ للقطاع الخاص، حيث امتلكت مجموعة “كرطاقو” 58٪ من رأس المال، بينما توزعت النسبة المتبقية 42٪ بين البنوك وشركات التأمين ومستثمرين من القطاع السياحي. وقد بلغت حصة الشركة من سوق الطيران التونسي في أوج نشاطها حوالي 20٪، مقابل 32٪ لشركة “نوفلير” و48٪ لشركة “الخطوط التونسية”.

الوجهات والأسطول الجوي

تركزت عمليات “قرطاج للطيران” على الوجهات الأوروبية السياحية، حيث كانت تخدم رحلات نحو كوبنهاغن وستوكهولم وطرابلس وعدد من العواصم المتوسطية. وكان أسطولها يتكوّن من ست طائرات بوينغ B737-300 بسعة 148 مقعداً في الدرجة الاقتصادية. وتميزت طائراتها بتصميم داخلي بسيط ومريح، يلائم رحلات السياحة قصيرة ومتوسطة المدى.

الأهمية الاقتصادية والسياحية

لعبت “كرطاقو” دوراً محورياً في تعزيز السياحة التونسية خلال العقد الأول من الألفية، إذ ساهمت في استقطاب مئات الرحلات السياحية من شمال أوروبا، خصوصاً من الدنمارك والسويد، وهما سوقان واعدان للسياحة في تونس. كما ساعدت الشركة في تعزيز الروابط بين الجاليات التونسية في أوروبا وبلدهم الأم، حيث تجاوز عدد التونسيين المقيمين في الدول الاسكندنافية آنذاك 8,000 شخص.

وإلى جانب الجانب الاقتصادي، كانت الشركة مثالاً على الانفتاح التشغيلي في قطاع الطيران الخاص بتونس، إذ فتحت الباب أمام شركات جديدة مثل سيفاكس إيرلاينز والطيران الجديد للمنافسة في سوق النقل السياحي الدولي.

قرطاج للطيران بعد 2011: من التجربة إلى الإرث

بعد الاضطرابات السياسية في تونس عام 2011، توقفت معظم عمليات “قرطاج للطيران” نتيجة لمصادرة أصولها وتغيير البنية القانونية لمجموعة “كرطاقو”. ومع ذلك، لا يزال إرث الشركة حاضراً في قطاع الطيران التونسي حتى اليوم، سواء من حيث نموذج العمل أو الكوادر التشغيلية التي واصلت العمل في شركات أخرى.

وفي السنوات الأخيرة (2023–2025)، عادت بعض النقاشات حول إمكانية إحياء العلامة التجارية "كرطاقو" في إطار مشاريع استثمارية جديدة ضمن سياسة الحكومة التونسية لتشجيع الاستثمار الخاص في قطاع الطيران، خصوصاً بعد تحسن حركة السياحة الأوروبية بنسبة 17٪ خلال عام 2024.

وبينما لم تعُد الشركة تعمل فعلياً، فإنها لا تزال تُذكر كإحدى التجارب الرائدة في تاريخ الطيران الخاص بتونس، ومثالاً على كيفية مزج السياحة والطيران والاستثمار في مشروع وطني طموح.

تحليل حديث لقطاع الطيران التونسي (2024–2025)

يشهد قطاع الطيران التونسي في عامي 2024–2025 مرحلة إعادة هيكلة شاملة تحت إشراف وزارة النقل التونسية وهيئة الطيران المدني. وقد ارتفع عدد المسافرين عبر المطارات التونسية بنسبة 21٪ مقارنة بعام 2022، مع استعادة شبه كاملة لحركة ما قبل الجائحة. وأبرز الملاحظات:

  • الخطوط التونسية تواصل استراتيجيتها في تجديد الأسطول بدخول طائرات إيرباص A320neo وA321LR إلى الخدمة.
  • نوفلير توسعت في الوجهات الأوروبية، خصوصاً فرنسا وألمانيا وإيطاليا، وبلغت نسبة إشغال مقاعدها في صيف 2024 نحو 88٪.
  • سيفاكس إيرلاينز استأنفت رحلاتها بعد توقف طويل، مستفيدة من دعم حكومي جزئي وفتح وجهات جديدة إلى غرب إفريقيا.

في هذا السياق، تبقى تجربة “قرطاج للطيران” مرجعاً تاريخياً في كيفية الربط بين السياحة والطيران الخاص، وقد أثّرت فلسفتها التشغيلية في الشركات التي جاءت بعدها. ويرى خبراء الطيران التونسي أن إحياء مثل هذا النموذج بات ممكناً بفضل التوجه نحو الخصخصة الجزئية وفتح السوق أمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

ومع ازدياد الرحلات السياحية القادمة إلى تونس بنسبة 18٪ في النصف الأول من 2025، يجري الحديث عن تأسيس مشغلين جدد للطيران منخفض التكلفة وطيران الأعمال، مما قد يعيد إحياء فكرة "الناقل السياحي الوطني الخاص" التي مثّلتها كرطاقو قبل عقدين.

وبذلك، تبقى “قرطاج للطيران” علامة فارقة في تاريخ الطيران التونسي، إذ كانت الجسر الذي ربط بين القطاع الخاص والسياحة الدولية، وفتحت الطريق أمام عصر جديد من التنافسية والانفتاح في سماء تونس.

ليست هناك تعليقات:

تفضل باستفسارك