الأربعاء، 11 يناير 2017

تحذير: هاتفك قد يسبب انفجار الطائرة!

في الثامن من ديسمبر عام 2016، وقبل موسم العطلات الذي يشهد ارتفاعًا كبيرًا في عدد الرحلات الجوية، أصدرت هيئة سلامة الطيران المدني الأسترالية (CASA) تحذيرًا رسميًا عبر حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي موجّهًا إلى جميع الركاب وأطقم الطائرات. وجاء نص التحذير واضحًا وصريحًا: "إذا فقدت هاتفك على متن الطائرة، لا تتحرك من مكانك، ولا تحرّك مقعدك! فقط اطلب مساعدة طاقم الضيافة."

أثار هذا التحذير اهتمامًا عالميًا واسعًا، إذ لم يكن الحديث عن خطر الهواتف المحمولة داخل الطائرات جديدًا، لكنه هذه المرة لم يرتبط باستخدامها أثناء الإقلاع أو الهبوط، بل بخطر فيزيائي خفيّ يتمثل في سقوط الهاتف بين فواصل المقاعد وتعرضه للضغط أو السحق، ما قد يؤدي إلى اشتعال البطارية وحدوث حريق داخل المقصورة — وهي من أخطر الحالات التي يمكن أن تواجهها أي طائرة في الجو.

تحذير: هاتفك قد يسبب انفجار الطائرة!

كيف ينفجر الهاتف المحمول على متن الطائرة؟

تعتمد معظم الهواتف المحمولة الحديثة على بطاريات الليثيوم أيون، وهي بطاريات عالية الكثافة في الطاقة ولكنها أيضًا حساسة للغاية. عند تعرضها للضغط الميكانيكي أو السحق، أو في حال وجود خلل في العزل الداخلي بين الأقطاب الموجبة والسالبة، قد يحدث ما يُعرف بظاهرة الدوام الحراري (Thermal Runaway) — وهي سلسلة تفاعلات داخلية تؤدي إلى ارتفاع سريع في درجة الحرارة ثم اشتعال أو انفجار.

تصميم المقاعد داخل الطائرات، خصوصًا في الطائرات الضيقة مثل إيرباص A320 أو بوينغ 737، يحتوي على فواصل معدنية ضيقة جدًا يمكن أن تنحشر الهواتف بينها بسهولة. وعندما يحاول الراكب تحريك المقعد أو الاتكاء للبحث عن الهاتف، فإن الضغط الناتج قد يسحق البطارية ويتسبب بتسرب كهربائي فوري.

ووفقًا لتقارير هيئة CASA لعام 2016، تم تسجيل 9 حوادث اشتعال نتيجة سقوط وسحق هواتف بين المقاعد داخل الطائرات الأسترالية وحدها، إحداها تسببت بانبعاث دخان داخل المقصورة خلال مرحلة الهبوط وأدت إلى استخدام أجهزة الإطفاء المحمولة من قبل الطاقم.

التحذير يمتد عالميًا: من أستراليا إلى العالم

لم يقتصر هذا التحذير على أستراليا. فقد سارعت هيئات طيران أخرى، مثل إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية (FAA) ووكالة سلامة الطيران الأوروبية (EASA)، إلى إصدار إرشادات مشابهة في السنوات اللاحقة، بعد تسجيل أكثر من 250 حادثة حرائق بطاريات على متن طائرات ركاب حول العالم بين عامي 2017 و2023، وفق تقارير منظمة الاتحاد الدولي للنقل الجوي (IATA).

وقد أوصت هذه الهيئات الركاب بعدم محاولة التقاط الهاتف في حال سقوطه في أماكن ضيقة داخل المقصورة، بل طلب المساعدة من طاقم الطائرة فورًا. كما أوصت شركات الطيران بتدريب أطقمها على التعامل مع حرائق بطاريات الليثيوم، إذ أن إطفاءها بالماء غير فعال، بل يُستخدم عادةً مطفأة خاصة تعتمد على ثاني أكسيد الكربون أو بودرة جافة.

الجانب العلمي: لماذا تُعد بطاريات الليثيوم خطيرة؟

تتكوّن بطاريات الليثيوم من مواد شديدة النشاط الكيميائي، وعندما تتعرض لأي تلف ميكانيكي أو ارتفاع في الحرارة، قد تبدأ تفاعلات تسلسلية تؤدي إلى:

  • انصهار الفواصل الداخلية بين الأقطاب.
  • تحرّر الأكسجين والغازات القابلة للاشتعال.
  • ارتفاع درجة الحرارة إلى أكثر من 600 درجة مئوية.
  • انفجار أو اشتعال فوري للخلية.

هذه الظاهرة تُعرف باسم الاحتراق الذاتي البطاري (Battery Fire Propagation)، وهي السبب في أن شركات الطيران تحظر شحن الأجهزة المحمولة في الأمتعة المشحونة، وتسمح فقط بحملها داخل المقصورة، حيث يمكن التعامل مع أي طارئ بسرعة.

أرقام وإحصاءات حديثة (2024–2025)

بحسب تقرير السلامة الجوية الصادر عن IATA لعام 2025، تم الإبلاغ عن 41 حادثًا متعلقًا ببطاريات الليثيوم داخل الطائرات التجارية خلال عام 2024 وحده، بزيادة قدرها 15% مقارنة بالعام السابق. وقد توزعت هذه الحوادث على النحو التالي:

المنطقة عدد الحوادث النسبة من الإجمالي
آسيا والمحيط الهادئ1844%
أوروبا922%
أمريكا الشمالية717%
الشرق الأوسط وأفريقيا717%

وتُظهر البيانات أن الغالبية العظمى من الحوادث وقعت أثناء الرحلات القصيرة، حيث يزداد تفاعل الركاب مع أجهزتهم المحمولة خلال الصعود والهبوط. وقد لاحظت الشركات أيضًا أن الهواتف الكبيرة الحجم (أكثر من 6.5 بوصة) تكون أكثر عرضة للسحق بسبب ضيق الفواصل بين المقاعد.

الوقاية والتدابير الحديثة

في عام 2023 بدأت بعض شركات الطيران — مثل الخطوط السنغافورية وطيران الإمارات — في تركيب أنظمة إنذار حراري داخل المقاعد ومناطق التخزين العلوية، قادرة على استشعار ارتفاع درجة الحرارة الناتج عن بطارية تالفة قبل حدوث الحريق. كما طورت شركات مثل Boeing وAirbus أنظمة احتواء حرائق مخصصة لأجهزة الليثيوم، لتقليل المخاطر داخل المقصورة.

أما على صعيد الركاب، فقد أطلقت CASA بالتعاون مع هيئة النقل الجوي الأسترالية حملة توعية جديدة في 2024 تحت عنوان "احمِ رحلتك... لا تحرك مقعدك!"، تتضمن مقاطع توعوية تُعرض في شاشات الطائرات قبل الإقلاع. وتضمنت نصائح واضحة، منها:

  • إذا سقط الهاتف بين المقاعد، لا تحرك المقعد.
  • أبلغ طاقم الضيافة فورًا.
  • لا تشحن الهاتف أثناء الإقلاع أو الهبوط.
  • استخدم شواحن أصلية ومعتمدة فقط.

ماذا عن الأجهزة الأخرى؟

لم تقتصر التحذيرات على الهواتف الذكية فحسب. بل شملت أيضًا الأجهزة اللوحية والحواسيب المحمولة والسماعات اللاسلكية وحتى البنوك المحمولة للطاقة (Power Banks)، والتي تشكّل خطرًا مماثلًا إذا تعرضت للضغط أو لحرارة مرتفعة. ولهذا السبب، تمنع معظم شركات الطيران الآن شحن بطاريات الليثيوم داخل الحقائب المسجلة وتفرض قيودًا على السعة القصوى للبطاريات المحمولة.

حادث واقعي: هاتف كاد يتسبب بكارثة

في يوليو 2022، أعلنت شركة "Quantas Airways" الأسترالية عن وقوع حادث كاد يتحول إلى كارثة بعد سقوط هاتف أحد الركاب تحت المقعد وانبعاث دخان كثيف منه بسبب سحق البطارية. تعامل الطاقم بسرعة وأطفأ الحريق خلال ثوانٍ، وأعلنت الشركة لاحقًا أن الحادث كان نتيجة "ضغط ميكانيكي مباشر على خلية ليثيوم تالفة".

"يجب التعامل مع الهواتف المحمولة على متن الطائرات كما نتعامل مع الوقود — بعناية ومسؤولية كاملة."
- متحدث باسم هيئة CASA، تقرير فبراير 2025

نظرة مستقبلية: هل سنرى هواتف آمنة للطيران؟

في ظل التطور التقني السريع، تعمل الشركات المصنعة حاليًا على تطوير بطاريات حالة صلبة (Solid-State) التي يُتوقع أن تقلل مخاطر الاحتراق بنسبة تصل إلى 90%. ومن المنتظر أن تبدأ هذه البطاريات بالوصول إلى السوق التجارية عام 2026، ما قد يُحدث نقلة نوعية في معايير السلامة الجوية الخاصة بالأجهزة المحمولة.

كما تسعى منظمات مثل IATA وICAO إلى تحديث لوائح نقل الأجهزة الإلكترونية لتشمل تعليمات إلزامية حول التعامل مع البطاريات داخل الطائرات، وهو ما قد يقلل الحوادث المستقبلية بشكل كبير.

الخلاصة

حادثة "الهاتف الساقط" قد تبدو بسيطة، لكنها تذكير قوي بأن التكنولوجيا، مهما كانت متطورة، تبقى بحاجة إلى وعي المستخدم وإدراكه للمخاطر. فسلامة الطائرة لا تتعلق فقط بالطيار أو بالمحركات، بل تمتد إلى أبسط تصرفات الركاب. لذا، في رحلتك القادمة، إذا انزلق هاتفك تحت المقعد، تذكّر فقط: لا تحركه... استعن بالطاقم!

ليست هناك تعليقات:

تفضل باستفسارك