عادة ما يلاحظ المسافرون أن عملية الصعود إلى الطائرة تتم دائمًا من الجانب الأيسر، بينما يبقى الجانب الأيمن مخصصًا لأغراض أخرى. قد يبدو هذا التفصيل البسيط مجرد صدفة، لكنه في الحقيقة يعكس تقاليد عريقة واعتبارات تشغيلية دقيقة رسختها صناعة الطيران منذ بداياتها. هذا المقال يسلط الضوء على خلفية هذا العرف وأسبابه التاريخية والفنية والعملية، ليقدم للقارئ إجابة وافية عن السؤال: لماذا نصعد من الباب الأيسر للطائرة؟
الأصول التاريخية للتقليد
ترتبط هذه القاعدة بشكل وثيق بعالم الملاحة البحرية. ففي الماضي، كانت السفن تميز بين "الميمنة" (الجانب الأيمن) و"الميسرة" (الجانب الأيسر). تقليديًا، كان الركاب يصعدون وينزلون من الجانب الأيسر، في حين يُستخدم الجانب الأيمن لأغراض تشغيلية مثل شحن البضائع أو عمليات الصيانة. ومع بداية صناعة الطائرات التجارية في أوائل القرن العشرين، استُعير هذا التقليد من عالم البحر ليطبق في عالم الجو، واستمر حتى صار جزءًا من هوية الطيران المدني.
الاعتبارات التشغيلية
رغم أن معظم الطائرات الحديثة مجهزة بأبواب على جانبيها، فإن الجانب الأيسر هو المعتمد للصعود والنزول. ويعود ذلك إلى عدة أسباب عملية:
- الجانب الأيمن للطائرة مخصص عادةً لخدمات التموين والصيانة، مثل تحميل الوجبات، التزود بالوقود، وصعود الركاب ذوي الاحتياجات الخاصة عبر منصات هيدروليكية.
- تُصمم جسور الركاب (Aerobridges) عالميًا للاتصال بالباب الأيسر للطائرة، ما جعل هذا التصميم معيارًا ثابتًا في معظم المطارات.
- اعتماد باب واحد أساسي للركاب يساعد على تنظيم حركة الصعود والنزول ويقلل من احتمالية تعرض المسافرين للمخاطر في ساحة المطار المزدحمة بالمركبات والمعدات.
الفوائد المرتبطة بسلامة التشغيل
يتيح تخصيص الباب الأيسر للركاب إبقاء الجانب الأيمن خاليًا للعمليات الفنية. هذا الفصل بين حركة الركاب وأعمال الخدمات الأرضية يعزز مستوى الأمان، ويمنع تداخل أنشطة مختلفة قد تؤدي إلى حوادث. كما أن النزول من الجهة اليسرى في المطارات القديمة – حيث لم تكن هناك جسور مخصصة – جعل من السهل على الطيارين توجيه الطائرة وتقدير المسافة بينها وبين مباني المطار بدقة أكبر.
دور الطيار وموقع الكابتن
هناك تفسير إضافي يرتبط بقمرة القيادة. يجلس الكابتن عادة على الجانب الأيسر من الطائرة، بينما يجلس الضابط الأول على الجانب الأيمن. بوجود الباب الرئيسي على يسار الطائرة، يستطيع الكابتن مراقبة عملية الصعود بشكل مباشر من نافذة قمرة القيادة، والتواصل مع الطاقم الأرضي أو توجيه إشارات عند الحاجة. هذا العنصر يعزز من سلامة الإجراءات ويمنح الطاقم مرونة إضافية في مراقبة ما يحدث أثناء تجهيز الطائرة.
الاستثناءات والمرونة
بالطبع، ليست كل الطائرات ملتزمة تمامًا بهذه القاعدة. ففي الطائرات الصغيرة أو الخاصة، يختلف مكان الأبواب حسب التصميم وقد يكون في الجهة اليمنى أو حتى الخلفية. لكن في الطائرات التجارية الكبيرة، أصبح الصعود من الجانب الأيسر معيارًا عالميًا مشتركًا بين شركات الطيران والمطارات ومصنعي الطائرات، مما يضمن التوافق التشغيلي في مختلف دول العالم.
في النهاية، فإن اختيار الباب الأيسر لم يكن قرارًا عشوائيًا، بل هو نتاج تاريخ طويل يجمع بين التقاليد البحرية والاعتبارات الهندسية ومتطلبات السلامة. وبذلك، يتحول هذا التفصيل الصغير إلى مثال واضح على كيفية تطور قواعد الطيران لتجمع بين العرف التاريخي والفعالية العملية.
ليست هناك تعليقات: