السلامة والأمن الجوي يمثلان دائمًا أحد أكبر المخاوف لدى المسافرين، وفي الوقت نفسه يشكلان أولوية قصوى لدى صناع القرار والهيئات التنظيمية في مجال الطيران. فمنذ بداية الألفية الثالثة، وخاصة خلال العقدين الماضيين، شهدت معايير الأمن والسلامة على متن الطائرات تطورًا جذريًا نتيجة حوادث وكوارث جوية هزّت العالم، بدءًا من هجمات 11 سبتمبر 2001 وحتى حادثة مصر للطيران رقم 804 في مايو 2016. هذه الأحداث شكلت نقطة تحول جعلت الصناعة أكثر التزامًا بالتحسين المستمر.

2017: علامة فارقة في تاريخ السلامة الجوية
مع بداية عام 2018، صدرت تقارير دولية أكدت أن عام 2017 كان الأكثر أمانًا في تاريخ الطيران التجاري، حيث لم تسجل أي وفيات على الطائرات التجارية الكبيرة. هذا الإنجاز غير المسبوق يعكس عقودًا من التطوير في التكنولوجيا، والتشريعات، وتدريب الطواقم، وأنظمة الصيانة.
ورغم أهمية هذا الإنجاز، كان رد فعل الإعلام متباينًا. فبدلًا من تسليط الضوء على التقدم الكبير في مجال السلامة، جاءت العناوين مثيرة للجدل مثل:
- "السفر الجوي كان بائسًا في 2017، ولكن على الأقل لا أحد لقى حتفه في تحطم طائرة تجارية" – واشنطن بوست
- "في حين كان 2017 آمنًا للطيران، لم يكن ممتعًا تمامًا" – فوكس نيوز
السلامة: قيمة غير قابلة للبيع
تعكس هذه العناوين فجوة واضحة بين ما تعتقد شركات الطيران أنها تقدمه وبين توقعات الركاب. فالسلامة في نظر الجمهور ليست ميزة يمكن تسويقها، بل هي توقع أساسي يجب أن يتحقق دون نقاش. ورغم ذلك، تبقى الحقيقة أن الإنجازات الحالية في تقليل الحوادث هي ثمرة عمل مشترك بين شركات الطيران، والمصنعين، والهيئات التنظيمية، الذين عملوا لعقود على رفع مستوى السلامة.
وبحسب إحصاءات اتحاد النقل الجوي الدولي (IATA)، سجل عام 2017 معدلًا مذهلًا بلغ 1.2 حادثة فقط لكل مليون رحلة، وهو رقم يضع الطيران التجاري ضمن وسائل النقل الأكثر أمانًا عالميًا. هذا التقدم لم يكن مصادفة، بل جاء نتيجة تحليل دقيق لكل حادثة سابقة وتطبيق دروس مستفادة على نطاق عالمي.
التسويق والسلامة: أين تكمن المشكلة؟
على الرغم من أن السلامة عنصر أساسي، فإن شركات الطيران كثيرًا ما تلجأ لاستخدامها كذريعة في مواجهة المشكلات التشغيلية. فعند حدوث تأخيرات أو إلغاءات للرحلات، تُذكِّر شركات الطيران الركاب بأن هذه الإجراءات تأتي "لأن السلامة هي على رأس الأولويات". كما أن رسائل الترحيب على متن الطائرات لا تزال تؤكد أن الطواقم موجودون في المقام الأول لضمان سلامة الركاب. ومع أن هذه الرسائل صحيحة، إلا أن الركاب يفسرونها أحيانًا على أنها وسيلة للتغطية على ضعف الخدمة.
التركيز على خدمة العملاء لا يقل أهمية عن السلامة نفسها. فالمسافر يريد أن يشعر بالراحة، وأن رحلته تتم بسلاسة، لا أن يقال له فقط "لقد وصلت حيًا". ومن هنا، فإن التحدي المستقبلي لصناعة الطيران هو إيجاد توازن بين الحفاظ على سجل أمان مثالي وتقديم تجربة سفر مرضية.
التوقعات المستقبلية
توضح دراسة ردود فعل الجمهور أن شركات الطيران بحاجة إلى إعادة النظر في طريقة التواصل مع المسافرين. فالسلامة أصبحت جزءًا بديهيًا من تجربة الطيران، لكن تحسين جودة الخدمة وتقليل الإزعاجات التشغيلية هو ما سيحدد رضا العملاء على المدى الطويل.
لقد مضت أكثر من 100 سنة على بدء الطيران التجاري، ومن غير الكافي أن يظل شعار الصناعة: "الطيران لن يقتلك". بل يجب أن يصبح الشعار: "الطيران تجربة آمنة ومريحة وفعالة". إن عام 2017 كان بالفعل إنجازًا كبيرًا على صعيد السلامة، لكن الأعوام التالية ينبغي أن تبني على هذا النجاح لتحقق توازنًا بين السلامة ورضا العملاء.
خلاصة
لقد أثبتت تقارير عام 2017 أن الطيران أصبح وسيلة نقل بالغة الأمان بفضل التطورات التكنولوجية والتنظيمية. لكن التحدي المستقبلي لا يكمن فقط في تقليل الحوادث، بل في تحسين تجربة السفر الشاملة. فالمسافر العصري يبحث عن رحلات آمنة، لكن أيضًا عن خدمات مريحة، تعامل راقٍ، ومستوى عالٍ من الاهتمام بالتفاصيل. إذا تمكنت شركات الطيران من تحقيق هذا التوازن، فإن المستقبل سيحمل صناعة طيران أكثر نجاحًا وأقرب إلى توقعات المسافرين حول العالم.
طالع أيضا أكثر خطوط الطيران أماناً خلال عام 2017
ليست هناك تعليقات: