الثلاثاء، 5 مايو 2020

الإتحاد الدولي للنقل الجوي الإياتا

يُعد الاتحاد الدولي للنقل الجوي (IATA) المظلة العالمية الرئيسية لشركات الطيران التجارية، إذ يجمع في عضويته معظم شركات الطيران الكبرى التي تسيّر رحلات منتظمة عبر العالم. منذ تأسيسه عام 1945 عقب الحرب العالمية الثانية، لعب الاتحاد دورًا محوريًا في صياغة السياسات والمعايير الفنية والتنظيمية التي تسهّل عمل شركات الطيران وتضمن انسجامها مع القوانين الدولية. يتخذ الاتحاد من مدينة مونتريال الكندية مقرًا رئيسيًا له، في موقع استراتيجي بجوار منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO)، إضافة إلى مكتبه التنفيذي في جنيف بسويسرا. هذا التوزيع الجغرافي يساعده على التواصل مع كل من المؤسسات الدولية الأوروبية والأمريكية على حد سواء.

يتكون الاتحاد من 290 شركة طيران، معظمها في المقام الأول شركات طيران رئيسية، تمثل 117 دولة، تمثل شركات الطيران الأعضاء في الاتحاد ما يقرب من 82 ٪ من إجمالي الحركة الجوية لأميال المقاعد المتاحة available seat miles (مقياس لسعة الطيران يمثل حاصل ضرب عدد المقاعد المتاحة في عدد الأميال الجوية المقطوعة، وهو الوحدة الانتاجية الأساسية لخطوط الطيران). يدعم الاتحاد نشاط شركات الطيران ويساعد على صياغة سياسات ومعايير الصناعة.

الإتحاد الدولي للنقل الجوي IATA الإياتا

تاريخ الإتحاد الدولي للنقل الجوي

تأسس الاتحاد في إبريل 1945 بمدينة هافانا الكوبية، في أعقاب مرحلة إعادة تنظيم كبرى لصناعة النقل الجوي الدولي بعد الحرب. جاء تأسيسه كامتداد للرابطة الدولية للملاحة الجوية (1919)، لكنه توسع بشكل أكبر ليشمل معظم شركات الطيران الناشئة آنذاك. بدأ الاتحاد بعضويته الأولى التي ضمت 57 شركة من 31 دولة، قبل أن يتوسع تدريجيًا ليضم تقريبًا كل الناقلات الكبرى في العالم. منذ البداية، ركّز عمله على تقديم الدعم الفني والقانوني، والتعاون الوثيق مع منظمة الطيران المدني الدولي التي وُلدت في نفس الفترة بموجب اتفاقية شيكاغو.

تحديد الأسعار

لم تسفر اتفاقية شيكاغو عن إجماع على التنظيم الاقتصادي لصناعة الطيران. وتم تشكيل الإياتا IATA لملء الفراغ الناتج وتزويد شركات النقل الجوي الدولية بآلية لتحديد الأسعار.

مع غياب اتفاق دولي واضح حول آليات التسعير، ملأ الاتحاد الفراغ عبر تنظيم مؤتمرات دورية منذ أواخر الأربعينيات لتحديد أسعار التذاكر على الرحلات الدولية. كان الهدف المعلن هو إيجاد مستوى سعري "معقول" يوازن بين تكلفة التشغيل وقدرة الركاب الشرائية، لكن الواقع أن هذه المؤتمرات منحت شركات الطيران نفوذًا واسعًا لتثبيت الأسعار عالميًا. ولهذا السبب، وصف كثير من الاقتصاديين والقانونيين IATA بأنه "كارتل عالمي" للطيران، خصوصًا وأنه تمتع بحصانة من قوانين مكافحة الاحتكار في عدة دول لعقود طويلة. وقد أثار هذا الوضع انتقادات متكررة لأنه قلل من المنافسة الفعلية وأجبر شركات الطيران على التنافس عبر جودة الخدمة فقط، بدلًا من الأسعار.

من 1956م إلى 1975م، حددت قرارات اتحاد النقل الجوي الدولي عمولات وكلاء السفر بنسبة 7٪ من سعر تذكرة الطيران. جادل الباحث القانوني كينيث إلزينزا بأن سقف عمولة IATA أضر المستهلكين من خلال تقليل الحافز لوكلاء السفر لتقديم خدمة محسنة للمستهلكين.

في الوقت الذي كانت فيه العديد من شركات الطيران مملوكة للحكومة وتحقق الخسائر، كان الاتحاد يعمل بمثابة كارتل، واتهمته الحكومات بوضع هيكل سعر ثابت يتجنب المنافسة السعرية. عقد مؤتمر المرور الجوي الأول في عام 1947م في ريو دي جانيرو وتوصل إلى اتفاق بالإجماع على حوالي 400 قرار. روى المدير العام للاتحاد الدولي للنقل الجوي ويليام هيلدريد أن حوالي 200 من القرارات في مؤتمر ريو دي جانيرو تتعلق بإنشاء هيكل موحد للتعريفات المفروضة على النقل الجوي الدولي.

وفقا للخبير الاقتصادي باسكال سالين، أجبر نظام تحديد الأسعار في الإتحاد الدولي للنقل الجوي شركات الطيران على محاولة التمييز بين نفسها من خلال جودة تجربة الركاب. ورد الاتحاد بفرض قيود صارمة على جودة خدمات الطيران. في عام 1958م، أصدر الاتحاد قرارًا رسميًا يمنع شركات الطيران من تقديم شطائر بها مكونات "فاخرة" لركاب الدرجة الاقتصادية. لاحظ الاقتصادي والتر أدامز أن المنافسة المحدودة في الخدمة التي سمح بها الاتحاد تميل فقط إلى تحويل حركة المرور الجوي من شركة طيران إلى أخرى دون توسيع سوق النقل الجوي بشكل عام.

لم يتدخل مجلس الطيران المدني الأمريكي لوقف تثبيت الاسعار من جانب الإياتا. أدان أستاذ القانون لويس بي. شوارتز تقاعس المجلس باعتباره "تنازلًا عن المسؤولية القضائية". وفي عام 2006م، عدلت وزارة العدل الأمريكية أمرًا بسحب حصانة مكافحة الاحتكار للمؤتمرات التعريفات للاتحاد.

الاتحاد الدولي للنقل الجوي وحقوق المستهلك

من الشائع أن يعتقد المسافرون بأن IATA جهة محايدة تحمي حقوق الركاب، إلا أن وظيفته الأساسية هي الدفاع عن مصالح شركات الطيران الأعضاء فيه. ظهر هذا التناقض بوضوح خلال أزمة جائحة كوفيد-19، حين ألغيت مئات آلاف الرحلات عالميًا ورفضت العديد من شركات الطيران إعادة المبالغ المدفوعة نقدًا. بدلاً من ذلك، عُرضت على المسافرين قسائم صالحة للاستخدام لاحقًا، في وقت أغلقت فيه مراكز اتصال عديدة لتجنب الضغوط. في تلك الأزمة، وقف الاتحاد في صف الشركات ودعا الحكومات إلى تعليق القوانين التي تُلزم برد الأموال نقدًا، بذريعة تجنب انهيار مالي واسع النطاق لشركات الطيران. هذا الموقف أثار موجة انتقادات واسعة واعتُبر ضربة قوية لسمعة الاتحاد فيما يتعلق بمراعاة حقوق المستهلك.

وكان موقف الاتحاد الدولي للنقل الجوي مزري، فقد دافع الاتحاد بقوة عن موقف شركات الطيران ولم يعتبر تصرفها انتهاكا لحقوق المستهلكين، وذلك بالرغم من أن القانون يفرض علي شركات الطيران رد أموال المسافرين نقدا خلال سبعة أيام من تاريخ الغاء الرحلات الجوية. بل أن الاتحاد عمل جاهدا علي حث جميع الحكومات علي تعليق العمل بالقوانين التي تفرض رد الأموال النقدية للمسافرين في ذلك الوقت الصعب، بدعوى أن ذلك يهدد العديد من شركات الطيران بالافلاس والالاف من العاملين بفقدان الوظائف لشح السيولة. في تصرف يعد أكبر فضيحة في تاريخ الإياتا وتاريخ السفر الجوي وفي تاريخ انتهاك حقوق المستهلكين لم تشهدها الأسواق من قبل. طالع مقالنا في هذا الخصوص: الاياتا ضد رد أموال المسافرين على الرحلات الملغاة بسبب جائحة كورونا

السلامة الجوية

يركّز الاتحاد على تعزيز السلامة التشغيلية كأحد محاوره الأساسية، وقد طور لأجل ذلك برنامج التدقيق التشغيلي للسلامة (IOSA)، الذي يُعتبر مرجعًا معتمدًا عالميًا. يخضع أعضاء الاتحاد إلى مراجعات دورية تشمل عمليات الطيران، الصيانة، التدريب، وإدارة المخاطر. ومع مرور الوقت، تبنت عدة حكومات معايير IOSA كشرط لعمل شركات الطيران داخل أجوائها. بفضل هذه الجهود، سُجّل عام 2017 كأكثر الأعوام أمانًا في تاريخ الطيران التجاري، وهو إنجاز يعكس أثر معايير الاتحاد على تحسين أداء الصناعة.

يتم تحديد عدد من المعايير الخاصة بالطيران التجاري تحت مظلة الاتحاد من أهمها معايير نقل البضائع الخطرة (HAZMAT).

تبسيط الأعمال

تم إطلاق مبادرة تبسيط الأعمال في عام 2004م من جانب الإياتا. وقد أدخلت هذه المبادرة عددًا من المفاهيم الأساسية لسفر الركاب، بما في ذلك التذكرة الإلكترونية وبطاقة الصعود إلى الطائرة المشفرة. يتم إنشاء العديد من الابتكارات الأخرى كجزء من مبادرة السفر السريع، بما في ذلك مجموعة من خيارات الأمتعة ذات الخدمة الذاتية.

برنامج مبتكر، تم إطلاقه في عام 2012م هو قدرة التوزيع الجديدة New Distribution Capability. سيؤدي ذلك إلى استبدال معيار المراسلة ماقبل الانترنت EDIFACT الذي لا يزال أساسًا لقناة نظام التوزيع العالمي / قناة وكيل السفر واستبداله بمعيار XML. سيؤدي ذلك إلى تمكين نفس الخيارات المتاحة للمتسوقين الذين يحجزون تذاكر الطيران عبر وكلاء السفريات كما يتم تقديمها لأولئك الذين يحجزون مباشرة من خلال مواقع شركات الطيران. وقد تم رفع شكوى في وزارة النقل الأمريكية ضد هذا الاجراء بأكثر من 400 تعليق.

البيئة

تبنّى الاتحاد رؤية بيئية طويلة الأمد ترتكز على ثلاثة مستويات: تحسين كفاءة استهلاك الوقود بنسبة 1.5% سنويًا حتى عام 2020، تثبيت صافي الانبعاثات عند مستويات 2020 (ما يُعرف بالنمو المحايد للكربون)، ثم تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى النصف بحلول عام 2050 مقارنة بعام 2005. لتحقيق ذلك، يعتمد الاتحاد على مزيج من التقنيات الحديثة وكفاءة التشغيل إلى جانب آليات تعويض الكربون. غير أن هذه الأخيرة أثارت انتقادات واسعة، خاصة من الاتحاد الأوروبي، بدعوى أنها حل "سهل" لا يعالج جذور المشكلة.

خدمات اخرى

يقدم IATA خدمات استشارية وتدريبية في العديد من المجالات المتعلقة بالطيران والسفر الجوي.

ليست هناك تعليقات:

تفضل باستفسارك