الخميس، 19 يناير 2017

طيران جنوب السودان - ساوث سوبريم إيرلاينز

طيران جنوب السودان South Supreme Airlines – قصة الناقل الوطني وأزماته حتى عام 2025

تُعد شركة طيران جنوب السودان (South Supreme Airlines) الناقل الوطني الرسمي لجمهورية جنوب السودان، وهي من أوائل المؤسسات الجوية التي ظهرت بعد استقلال البلاد عام 2011. تتخذ الشركة من مطار جوبا الدولي (Juba International Airport) مقرًا رئيسيًا لها، إلى جانب مكاتب تشغيلية في كل من كمبالا ومطار عنتيبي الدولي بأوغندا. ورغم كونها لا تمتلك رموز IATA أو ICAO المعترف بها دوليًا حتى اليوم، فقد لعبت دورًا حيويًا في ربط المدن الجنوبية المعزولة وإحياء قطاع الطيران الوليد في الدولة الفتية.

طيران جنوب السودان South Supreme Airlines

تأسيس طيران جنوب السودان – «روح أمة وليدة»

تحت شعار «روح أمة وليدة» (The Spirit of a Young Nation) تأسست شركة طيران جنوب السودان  ساوث سوبريم إيرلاينز في مارس عام 2013، بمبادرة من مجموعة رجال أعمال يقودهم المستثمر الجنوب سوداني أييه دوانج أييه (Ayii Duang Ayii)، وهو من أبرز رجال الأعمال في قطاع النقل والطاقة في البلاد. جاء تأسيس الشركة ضمن جهود الحكومة لإنشاء أول سلطة طيران مدني مستقلة لجمهورية جنوب السودان، ولتكون الشركة الناقل الوطني الذي يعزز التواصل بين المدن الداخلية ويؤسس رحلات إقليمية منتظمة.

بدأت الشركة عملياتها التجارية بعد أشهر قليلة من تأسيسها، وشغلت أولى رحلاتها الدولية في سبتمبر 2013م بين مطار جوبا الدولي ومطار الخرطوم الدولي. وكانت الرحلة بطائرة من طراز فوكر Fokker 50 تقل وفدًا من رجال الأعمال الجنوبيين، في خطوة رمزية هدفت إلى مدّ جسور التعاون الاقتصادي مع السودان الأم.

أسطول وتشغيل طيران جنوب السودان 

عند انطلاقها، اعتمدت ساوث سوبريم إيرلاينز على أسطول متواضع يتكون من:

  • طائرة واحدة من طراز Fokker 50
  • طائرتان من طراز Bombardier Canadair CRJ-100
  • طائرة واحدة من طراز Boeing 737-300

كانت الشركة تسير رحلات داخلية بين المدن الرئيسية مثل جوبا، واو، وبنتيو، إلى جانب رحلات دولية قصيرة إلى عنتيبي في أوغندا والخرطوم في السودان. ورغم محدودية الأسطول، فقد اعتُبرت الشركة خطوة رمزية في بناء الهوية الوطنية للدولة الجديدة، كما ساهمت في نقل المساعدات الإنسانية خلال فترات النزاع الداخلي التي شهدتها البلاد.

الحوادث والتحديات التشغيلية

واجهت طيران جنوب السودان منذ بداياتها سلسلة من التحديات الأمنية والفنية. ففي 7 يناير 2014، تعرضت إحدى طائراتها من طراز Fokker 50 لحادث هبوط اضطراري في جنوب السودان، دون وقوع خسائر بشرية كبيرة. ثم في 20 مارس 2017، اندلعت النيران في طائرة من طراز Antonov An-26 أثناء هبوطها في مطار واو خلال رحلة داخلية قادمة من جوبا. أُصيب 37 راكبًا بإصابات متفاوتة، بينما دُمّرت الطائرة بالكامل بالنيران.

ورغم فداحة الحادث، فقد أشادت تقارير السلامة الجوية بشجاعة طاقم الطائرة، الذي تمكن من إخلاء الركاب قبل اشتعالها الكامل. وخلصت التحقيقات إلى أن سبب الحريق كان خللًا في نظام الوقود أو تماسًا كهربائيًا في مؤخرة الطائرة، مع ضعف في إجراءات الصيانة الدورية. هذا الحادث أدى إلى توقف مؤقت للرحلات الداخلية وإعادة تقييم شامل للعمليات التشغيلية.

الأزمة المالية وتعليق التشغيل

في 10 سبتمبر 2015، أعلنت الشركة تعليق جميع رحلاتها إلى أجل غير مسمى بسبب أزمة مالية خانقة. فقد أدى النقص الحاد في العملة الأجنبية، وخاصة الدولار الأمريكي، إلى عجز الشركة عن دفع رواتب الطواقم أو تسديد تكاليف الصيانة والوقود. وأوضح مؤسس الشركة أييه دوانج في تصريحات صحفية أن «التأمين الدولي والصيانة الخارجية تُدفع بالدولار، وفي ظل شح العملة الصعبة لا يمكن استمرار التشغيل».

وأشار إلى أن بعض طائرات الشركة نُقلت إلى الأردن وفرنسا وهولندا لإجراء أعمال صيانة ثقيلة، لكن تعذر سداد التكاليف أوقف عودتها إلى الخدمة. كما انتهت صلاحية بوليصة التأمين الدولية للطائرات، ما جعل تشغيلها مخالفًا لقوانين الطيران المدني الدولي.

استئناف محدود للرحلات

في عام 2020، أعلنت طيران جنوب السودان نيتها العودة إلى العمل بشكل جزئي، وشغلت عدة رحلات داخلية محدودة بين جوبا وواو وبنتيو باستخدام طائرة مستأجرة من نوع Antonov. غير أن الحظ لم يحالفها؛ ففي 2 مارس 2021، تحطمت إحدى طائراتها مجددًا بعد إقلاعها من مطار جيروك، مما أسفر عن مقتل عشرة أشخاص. أعقب ذلك تجميد مؤقت لرخصة التشغيل من قبل هيئة الطيران المدني في جوبا، إلى أن تُجرى مراجعة شاملة لإجراءات السلامة.

الوضع التشغيلي الحالي (2025)

حتى عام 2025، لا تزال South Supreme Airlines تعمل بشكل محدود للغاية، وتُعتبر ناقلًا داخليًا صغيرًا يخدم الخطوط بين المدن الجنوبية باستخدام أسطول صغير من طائرات الشحن والركاب الخفيفة. ولا تزال تواجه الشركة تحديات مالية كبيرة نتيجة ضعف البنية التحتية للطيران في البلاد وغياب الدعم الحكومي الكافي، إضافةً إلى استمرار تقلبات العملة المحلية.

ورغم ذلك، أعلنت طيران جنوب السودان في منتصف عام 2024 عن خطة لإعادة هيكلة عملياتها بالتعاون مع مستثمرين من كينيا وجنوب إفريقيا، بهدف الحصول على اعتماد ICAO وIATA خلال الأعوام القادمة. كما تعمل على تحديث أسطولها بإدخال طائرات حديثة من طراز Embraer 120 وDash 8 بتمويل جزئي من بنك تنمية شرق إفريقيا.

الوجهات الحالية والمستقبلية

اعتبارًا من عام 2025، تخدم الشركة الوجهات التالية:

  • جوبا (JUB) – المقر الرئيسي
  • واو (WUU)
  • بور (BOR)
  • عنتيبي (EBB) في أوغندا

وتخطط الشركة لتوسيع شبكتها لتشمل وجهات جديدة مثل نيروبي وأديس أبابا والخرطوم في حال حصولها على الاعتمادات الدولية وتوفر التمويل اللازم.

رؤية طيران جنوب السودان المستقبلية

رغم العقبات العديدة التي واجهتها الشركة منذ تأسيسها، فإنها لا تزال تمثل رمزًا للاستقلال الاقتصادي الوليد في جنوب السودان. ويرى القائمون عليها أن تطوير قطاع الطيران المحلي هو ركيزة أساسية لبناء الاقتصاد الوطني، لا سيما في ظل عزلة بعض المناطق وصعوبة الوصول إليها برًا.

ومن المنتظر أن تلعب الشركة دورًا أكبر خلال السنوات القادمة إذا نجحت الحكومة في تنفيذ خطة إنشاء هيئة طيران مدني مستقلة تتوافق مع معايير منظمة الطيران المدني الدولي ICAO، إضافة إلى تطوير مطار جوبا الدولي ليصبح مركزًا إقليميًا للنقل الجوي في شرق إفريقيا.

خاتمة

إن قصة طيران جنوب السودان ليست مجرد حكاية شركة طيران، بل هي انعكاس لمسيرة دولة ناشئة تسعى إلى بناء بنيتها التحتية الجوية وسط التحديات الاقتصادية والسياسية. ورغم سجل الحوادث والأزمات المالية، فإن إرادة الاستمرار والتطور تعكس الأمل في أن يصبح الطيران في جنوب السودان آمنًا ومستدامًا في المستقبل القريب.

ليست هناك تعليقات:

تفضل باستفسارك