الاثنين، 30 يناير 2017

ما القصة وراء تحية الطائرات بمدافع المياه؟ Water Cannon Salute

ما القصة وراء تحية الطائرات بمدافع المياه؟ Water Cannon Salute

في السنوات الأخيرة، انتشرت على نطاق واسع مقاطع فيديو وصور مدهشة لطائرات تُرش بالماء فور هبوطها على مدارج المطارات في مختلف أنحاء العالم. ولعلّ هذا المشهد البهيج والمهيب في آنٍ واحد يثير تساؤلات العديد من المسافرين والمشاهدين: لماذا تُغمر الطائرات بالماء عند وصولها؟ هل هو احتفال؟ أم تقليد أمني؟ أم مجرد إجراء رمزي لا أكثر؟ في الحقيقة، ما يُعرف باسم تحية الطائرات بمدافع المياه أو Water Cannon Salute هو طقس احتفالي عالمي في عالم الطيران المدني والعسكري على حد سواء، يرمز إلى الترحيب، التقدير، أو التكريم.

تحية الطائرات بمدافع المياه Water Cannon Salute

أصل وتاريخ تحية الطائرات بمدافع المياه

رغم أن التاريخ الدقيق لنشأة هذا التقليد الجوي غير موثّق بشكل رسمي، إلا أن أغلب المصادر تشير إلى أن جذوره مستوحاة من عالم البحار. ففي القرون السابقة، كانت السفن البحرية الكبيرة تُستقبل في الموانئ أو تُودّع برشّها بالماء بواسطة قاطرات الإطفاء أو سفن الإنقاذ، كتعبير عن الفخر والاحترام. ومع دخول الطيران عصره الذهبي منتصف القرن العشرين، نُقلت هذه العادة الرمزية إلى السماء.

تُرجّح الكثير من المصادر أن أول تحية بطائرات المياه سُجّلت في مطار سولت ليك سيتي الدولي (Salt Lake City International Airport) عام 1990، حين نظّم فريق الإطفاء بالمطار احتفالًا لتكريم طيارين متقاعدين من شركة دلتا إيرلاينز، عبر إنشاء قوس مائي ضخم مرت تحته الطائرة في مشهد مؤثر أصبح تقليدًا متبعًا في كل أنحاء العالم.

كيفية تنفيذ تحية الطائرات بمدافع المياه

يتم تنفيذ التحية وفق بروتوكول دقيق تلتزم به فرق الإطفاء في المطارات لضمان السلامة والاحترافية. عادةً ما تصطف مركبتان أو ثلاث مركبات إطفاء على جانبي المدرج أو الممر الذي تمر منه الطائرة بعد الهبوط. تبدأ المركبات في تشغيل مدافع المياه المثبتة على أسطحها، لتطلق تيارات قوية تشكل قوسًا مائيًا عملاقًا يمتد فوق الطائرة التي تمر ببطء تحته.

يُستخدم في هذه العملية عادةً ماء نظيف أو مزيج من الماء مع طبقة خفيفة من الهواء المضغوط لتقليل الاستهلاك. وفي بعض المطارات الحديثة مثل مطار دبي الدولي ومطار لندن هيثرو، يتم التحكم في زوايا الرش وكمية المياه عبر أنظمة إلكترونية دقيقة تضمن أن القوس المائي يتشكل بانسجام ودون أن يؤثر على أجهزة الطائرة أو محركاتها.

الجانب الفني والأمني للتحية

يعتقد البعض أن هذه المراسم قد تُهدر كميات كبيرة من المياه، إلا أن الحقيقة أن الكميات المستخدمة تكون محدودة ومُعاد تدويرها غالبًا. فهي جزء من الاختبارات اليومية التي تُجريها فرق الإطفاء على أنظمتها، مما يجعل الحدث ذا فائدة عملية أيضًا. كما تُستخدم المناسبة للتأكد من جاهزية المضخات والخراطيم، وهو ما يُعتبر اختبارًا عمليًا لفرق الطوارئ.

رغم الطابع الاحتفالي، إلا أن إجراءات السلامة تُراعى بدقة. ففرق الإطفاء لا تستخدم مدافع المياه القوية المخصصة للحرائق، بل تُخفض الضغط لتجنب توجيه تيارات قوية نحو هيكل الطائرة أو محركاتها. لكن، وقعت عبر التاريخ بعض الحوادث النادرة. أشهرها ما حدث في ديسمبر 2006 حين استخدمت فرق الإطفاء في مطار واشنطن دولس عن طريق الخطأ رغوة الإطفاء بدلاً من الماء لتحية طائرة بوينغ 777 تابعة لشركة يونايتد إيرلاينز، مما تسبب بأضرار سطحية في الطائرة وتأخير الرحلة التالية.

التحية بين البروتوكول والتقاليد

تحية الطائرات بمدافع المياه ليست مجرد احتفال رمزي، بل هي جزء من ثقافة الطيران العالمية التي تُعبّر عن الاحترام والتكريم. ورغم عدم وجود لوائح رسمية من منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO) تنظم هذه المراسم، فإن إدارات المطارات وشركات الطيران حول العالم تتعامل معها كعرف متفق عليه، مع مراعاة الظروف التشغيلية والأمنية.

أبرز المناسبات التي تُجرى فيها التحية

  • استقبال شركة طيران جديدة تشغل رحلاتها لأول مرة إلى المطار.
  • هبوط طراز طائرة جديد أو أول رحلة تجريبية لنوع حديث.
  • الاحتفال بتقاعد طيار أو قائد أسطول بعد سنوات طويلة من الخدمة.
  • توديع آخر رحلة لشركة طيران من مطار معين قبل إغلاق الخط.
  • استقبال شخصيات هامة أو فرق وطنية بعد إنجاز رياضي أو وطني.
  • الاحتفال بمناسبات وطنية أو دينية مثل اليوم الوطني أو رأس السنة.

من الأمثلة الشهيرة على هذه التحية، ما حدث عند وصول بوينغ 747-8 التابعة لشركة لوفتهانزا إلى مطار لوس أنجلوس لأول مرة، وكذلك التحيات المائية التي رافقت دخول طائرات إيرباص A380 الخدمة في مطارات عالمية مثل فرانكفورت، مانشستر، ودبي.

تحية الطائرات في العالم العربي

في المنطقة العربية، أصبحت التحية بمدافع المياه جزءًا من البروتوكول الجوي في كبرى المطارات. ففي مطار القاهرة الدولي مثلًا، تُقام التحية عند استقبال شركات جديدة أو طائرات حديثة. وفي المملكة العربية السعودية، تُستخدم التحية المائية في مطارات جدة والرياض والدمام لاستقبال الرحلات الافتتاحية للخطوط الدولية. أما في الإمارات العربية المتحدة، فمشهد القوس المائي أصبح علامة مميزة في احتفالات الطيران المدني، وغالبًا ما يتم بثه مباشرة عبر القنوات الرسمية وشبكات التواصل.

وفي عام 2024، شهد مطار الدوحة الدولي واحدة من أجمل التحيات المائية في العالم عند استقبال أول رحلة من شركة "أريانا الأفغانية" بعد توقف دام سنوات، في مشهد جسّد الأمل والتعاون الدولي.

زاوية السلامة والتحديات التشغيلية

من منظور هندسي، يثير هذا التقليد تساؤلات حول جدواه في ظل اشتراطات السلامة. فبعض خبراء الطيران أشاروا إلى احتمال تقليل جاهزية سيارات الإطفاء خلال فترة التحية، لأنها تصرف جزءًا من محتوى خزاناتها، ما قد يؤثر على سرعة الاستجابة في حال وقوع طارئ مفاجئ. ومع ذلك، فإن معظم المطارات الكبيرة تمتلك عددًا كافيًا من سيارات الإطفاء لضمان استمرار الجاهزية حتى أثناء التحية.

كما تُفرض قيود خاصة على التحيات التي تُجرى في ظروف جوية غير مستقرة أو عند وجود رياح قوية، حيث قد يُعاد توجيه تدفق المياه بشكل غير متوقع مما قد يؤثر على رؤية الطيارين أو على سطح الطائرة.

بين الرمز والإنسانية

ورغم الطابع الاحتفالي، تحمل تحية الطائرات بمدافع المياه أبعادًا إنسانية أيضًا. فقد استُخدمت هذه التحية في بعض المناسبات لتوديع ضحايا الكوارث الجوية، أو لتكريم طواقم أنقذت حياة ركاب. في عام 2021 مثلًا، أُقيمت تحية مائية مؤثرة في مطار أثينا تكريمًا لطائرة طبية شاركت في نقل مصابي جائحة كورونا، تقديرًا للطاقم الطبي العامل على متنها.

خاتمة

تمثل تحية الطائرات بمدافع المياه أكثر من مجرد عرض احتفالي؛ إنها تقليد عالمي يجسد روح الطيران ومعاني الاحترام والتقدير لكل من يسهم في جعل السماء أكثر أمانًا. وبينما تتطور تكنولوجيا الطيران يومًا بعد يوم، يبقى هذا الطقس الرمزي محتفظًا بجماله وإنسانيته، يربط بين الماضي البحري والحاضر الجوي، ويجعل من كل هبوط حدثًا يُحتفى به بالماء والضوء.

ليست هناك تعليقات:

تفضل باستفسارك