يقع مطار القرضابية الدولي Sirte International Airport، المعروف أيضاً باسم مطار سرت الدولي، على بعد نحو 20 كيلومتراً إلى الجنوب من مدينة سرت الساحلية في وسط ليبيا. يخضع المطار لإشراف مصلحة المطارات التابعة لوزارة المواصلات بحكومة الوحدة الوطنية الليبية، ويُرمز له برمز ICAO: HLGD و IATA: SRX. ورغم تصنيفه كمطار دولي قادر على استقبال الطائرات المدنية، فإنه يُستخدم في الأساس كقاعدة جوية عسكرية كبيرة منذ إنشائه، ما يمنحه أهمية مزدوجة في البنية التحتية الجوية الليبية. وحتى عام 2023، لا تزال خطط إعادة تشغيله بشكل كامل متعثرة بسبب الأوضاع الأمنية.

تاريخ مطار سرت الدولي
لا تتوفر معلومات دقيقة عن تاريخ تأسيس مطار القرضابية، لكن يُعتقد أنه بُني في عهد النظام الليبي السابق كجزء من شبكة قواعد جوية ضخمة. وبفضل مساحته ومدارجه المتعددة، اعتُبر واحداً من أكبر المرافق الجوية في البلاد. وقد برز اسمه على الصعيد الإقليمي عام 2010 عندما استقبل المطار عدداً من قادة الدول العربية المشاركين في القمة العربية بمدينة سرت، حيث تم استخدامه كبوابة رئيسية لاستقبال الوفود الرسمية.
منذ بداية أحداث عام 2011، أصبح مطار سرت الدولي هدفاً استراتيجياً في الصراع الليبي. فقد سيطرت عليه قوات ثورية لفترات متقطعة، بينما تعرض لقصف مركز من قبل قوات التحالف الدولي بقيادة الناتو. ففي 20 و21 مارس من ذلك العام، شنت طائرات B-2 Spirit الأميركية غارات باستخدام ذخائر دقيقة التوجيه، كما أطلقت البحرية الأميركية صواريخ توماهوك لتعطيل قدرات القوات الجوية الليبية المرتكزة في القاعدة. وقد ساهم هذا الهجوم في تقويض استخدام المطار كمنشأة عسكرية نشطة خلال المراحل الأولى من الحرب الأهلية.
في مايو 2015، سيطر مقاتلو تنظيم داعش على المطار بعد معارك عنيفة مع قوات محلية، مما جعله مركزاً لعملياتهم في منطقة سرت. إلا أن قوات "البنيان المرصوص" التابعة لحكومة الوفاق الوطني حينها تمكنت في 4 يونيو 2016 من استعادة المطار بدعم جوي من التحالف الدولي، لتبدأ بعدها جهود أولية لصيانته وإعادته إلى الخدمة، رغم العقبات المالية والأمنية الكبيرة.
وخلال فبراير من العام 2019م قامت بلدية سرت بالتعاقد مع شركتان محليتان لاصلاح مدرج المطار ومبني الركاب، وتم تكليف جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية الليبية باستكمال صيانة صالة كبار الزوار، وطلب من شركات المدار وهاتف ليبيا وليبيانا تركيب معدات وخطوط الاتصالات الخاصة بالمطار. ولم يتثنى التأكد من مدي اكمال خطط الصيانة تلك ونتائجها.
في يناير 2020م، قالت القوات الليبية الموالية للقائد المتمركز في الشرق خليفة حفتر إنها سيطرت على مدينة سرت الساحلية الاستراتيجية، بما في ذلك قاعدة الغردابية الجوية ومطار سرت الدولي.
حتى عام 2023، لا يزال المطار خارج الخدمة التشغيلية المنتظمة نتيجة استمرار التوترات الأمنية، وتعرضه المستمر للقصف، وعدم استكمال مشاريع الصيانة. ومع ذلك، يُنظر إليه كموقع استراتيجي محوري في أي خطط مستقبلية لإعادة بناء قطاع الطيران المدني في ليبيا.
في مطلع عام 2024، أطلق الجهاز الوطني للتنمية التابع للقيادة العامة للقوات المسلحة برنامجاً موسعاً لتأهيل مطار القرضابية الدولي. شملت الأعمال إعادة رصف وتحديث المدرج الرئيسي وفق المعايير الدولية لمنظمة الطيران المدني (ICAO)، مع تعزيز أنظمة الإنارة والسلامة الأرضية بما يسمح باستقبال طائرات الركاب والشحن الحديثة. وقد صاحب هذه الخطوات عقد اجتماعات تنسيقية بين سلطات الطيران المدني والبلدية وشركات متخصصة في الخدمات الأرضية بهدف وضع خطة تشغيلية متكاملة، تُمهّد لإعادة افتتاح المطار بشكل منظم أمام الحركة الجوية المدنية لأول مرة منذ سنوات.
بحلول عام 2025، توسع نطاق العمل ليشمل مشروعاً استراتيجياً متكاملًا يهدف إلى تحويل مطار سرت الدولي إلى محور لوجستي إقليمي يخدم شمال أفريقيا ويربطها بأوروبا. وشملت الخطة تطوير مبنى الركاب وصالات الشحن، إضافة إلى إنشاء مرافق حديثة لتزويد الطائرات بالوقود والخدمات الفنية. كما جرى العمل على ربط المطار بالبنية التحتية المحيطة، وعلى رأسها المنطقة الحرة وميناء سرت البحري، بما يعزز تكامل منظومة النقل البحري والجوي واللوجستي. وبالتوازي، تم التنسيق مع شركات الكهرباء الوطنية لتوسيع قدرة الشبكة وتحسين الاستقرار الطاقوي، من خلال تركيب محطات فرعية جديدة وأنظمة طوارئ لضمان استمرار التشغيل حتى في حالات الانقطاع. هذه الجهود تندرج ضمن خطة أوسع تتبناها الحكومة الليبية لإعادة بناء قطاع النقل وتحويل ليبيا إلى جسر عبور بين أفريقيا وأوروبا.
تأتي هذه المبادرات ضمن رؤية ليبيا لتطوير بنيتها التحتية الجوية وربط شبكات النقل البري والبحري والجوي ضمن إطار واحد، بما يساهم في إنعاش الحركة الاقتصادية وخلق فرص عمل جديدة في المنطقة الوسطى. ومن المتوقع أن يلعب مطار القرضابية الدولي، بعد اكتمال هذه المشروعات، دوراً محورياً في دعم الاستقرار الأمني والاقتصادي، فضلاً عن كونه نقطة انطلاق للرحلات الإقليمية والدولية، الأمر الذي يعزز مكانة سرت كمركز استراتيجي على خريطة النقل في شمال أفريقيا.
مرافق مطار القرضابية سرت الدولي
يُصنّف مطار سرت الدولي في الأساس كقاعدة جوية كبرى، حيث بُني ليستوعب الطائرات العسكرية الثقيلة إلى جانب إمكانية تشغيل الرحلات المدنية. يتكون من أربعة مدارج متقاطعة على شكل X، ما يسمح بتشغيل الطائرات في ظروف مناخية واتجاهات رياح مختلفة. ويرتبط كل مدرج بشبكة من طرق التاكسي لتسهيل الحركة بين ساحات الصيانة والمخازن ومناطق الاصطفاف. ومع ذلك، تعرضت هذه البنية للتخريب والإهمال بفعل سنوات من النزاع، ما جعل معظم مرافقها غير صالحة للاستخدام الفعلي.
الخطوط الجوية العاملة بمطار القرضابية
قبل اندلاع الحرب الأهلية وما تبعها من اضطرابات، كان مطار سرت الدولي يستقبل رحلات منتظمة لعدة شركات. فقد شغّلت الخطوط الجوية الليبية رحلات داخلية تربط بين طرابلس وبنغازي، بينما وفّرت الأفريقية للطيران رحلات نحو تونس العاصمة وبنغازي. كذلك كانت الخطوط الجوية التونسية تسير رحلات مباشرة إلى مطار تونس قرطاج. ومع توقف تشغيل المطار منذ 2011 تقريباً، لم تُستأنف هذه الخطوط حتى اليوم.
ليست هناك تعليقات: