يُعدّ تخيّل فتح باب الطائرة أثناء التحليق من أكثر السيناريوهات إثارةً للقلق لدى المسافرين الجدد، خصوصًا عند النظر إلى مخارج الطوارئ لأول مرة. قد يراودك سؤال: ماذا لو قرر أحد الركاب — بدافع الهوس أو التهور — سحب مقبض باب الطوارئ فجأة، مما يؤدي إلى انفجار ضغطي يُلقِي بالركاب إلى طبقة الستراتوسفير؟ في الواقع، وقعت حادثة مشابهة تقريبًا عام 2023، حين حاولت راكبة على متن رحلة تابعة لشركة جيت ستار Jetstar Airways بين جزيرة أفالون وسيدني فتح باب الطائرة أثناء الطيران، لكن طاقم الضيافة تدخل بسرعة وسلمها للسلطات فور الهبوط.
رغم أن هذا السيناريو يبدو كابوسيًا، فإن فهم الفيزياء خلف تصميم الطائرات الحديثة يبدّد هذا الخوف تمامًا. فالسؤال الحقيقي ليس "ماذا لو فُتِح الباب؟"، بل "هل يمكن فتحه أصلًا؟".
ماذا يمكن أن يحدث إذا تم فتح باب الطائرة أثناء الطيران؟
حتى التسرب البطيء للهواء من المقصورة (المعروف باسم "التسرب التدريجي للضغط") قد يكون قاتلًا، إذ تُسجّل السلطات الجوية الدولية نحو 40 إلى 50 حالة سنويًا من هذا النوع. من أبرز الأمثلة الكارثية حادثة طائرة بوينج 737 التابعة لشركة هيليوس للطيران عام 2005، التي تحطّمت بعد أن فشل الطاقم في ملاحظة عطل في نظام الضغط، ما أدّى إلى فقدان الوعي بسبب نقص الأكسجين على ارتفاع 34,000 قدم، ومقتل جميع من كانوا على متنها (121 شخصًا) — وهي أسوأ كارثة جوية في التاريخ اليوناني.
في مثل هذه الحالات، يُفعّل نظام الطوارئ أقنعة الأكسجين تلقائيًا لتوفير ما يكفي من الهواء النقي للركاب لمدة 10–15 دقيقة، وهي المدة التي يحتاجها الطيار للهبوط السريع إلى ارتفاع آمن (أقل من 10,000 قدم)، حيث يصبح الهواء قابلاً للتنفس دون مساعدة. أما في قمرة القيادة، فيرتدي الطيّارون أقنعة طوارئ متصلة بأنظمة أكسجين ذات ضغط عالٍ تسمح لهم بالبقاء واعين والتحكم بالطائرة.
لكن التفريغ المفاجئ للضغط — كما قد يحدث لو فُتِح باب الطائرة فجأة — يختلف تمامًا. ففي ثوانٍ معدودة، ينخفض الضغط داخل المقصورة إلى مستويات قريبة من الفراغ، مما يؤدي إلى:
- سحب أي شخص غير مربوط بحزام الأمان خارج الطائرة عبر الفتحة.
- انخفاض درجة الحرارة إلى ما دون -50°م في لحظات.
- تشويش في الرؤية وفقدان الوعي خلال 15–30 ثانية بسبب نقص الأكسجين.
- إجهاد هيكلي شديد قد يؤدي إلى تشقّق هيكل الطائرة أو انهيار جزئي.
مثال تاريخي صارخ حدث عام 1988، عندما تمزّق جزء من سقف طائرة ألوها للطيران (بوينج 737) أثناء طيرانها على ارتفاع 24,000 قدم. أدّى الانفجار الناتج عن التفريغ المفاجئ إلى انتزاع مضيفة الطيران كلارابيل لانسنج من مقعدها وسقوطها خارج الطائرة. ومع ذلك، وبفضل مهارة الطيّارين، تمكّنت الطائرة من الهبوط بأمان بعد 13 دقيقة، وإنقاذ 89 راكبًا. هذه الحادثة دفعت الجهات التنظيمية مثل ICAO وIATA إلى تشديد معايير صيانة الهياكل المعدنية وفحص التآكل الدوري.
هل يمكن فتح باب الطائرة أثناء الطيران؟
رغم خطورة التفريغ المفاجئ، فإن فتح باب الطائرة أثناء الطيران مستحيل تقنيًا في الطائرات التجارية الحديثة. ويوضح الكابتن باتريك سميث، طيّار وكاتب طيران معروف: "الضغط داخل المقصورة يعمل كـ'ختم طبيعي' يمنع فتح الأبواب". فجميع أبواب الطائرات مصممة لتُفتح إلى الداخل أولًا (مثل غطاء برميل)، ثم تُدفع للخارج. وعلى ارتفاع 35,000 قدم، يبلغ فرق الضغط بين الداخل والخارج نحو 8 رطل لكل بوصة مربعة، ما يعادل أكثر من 1,100 رطل من القوة المطبقة على كل قدم مربع من سطح الباب — وهو ما يفوق قدرة الإنسان بأضعاف.
حتى عند الارتفاعات المنخفضة (مثل أثناء الإقلاع أو الهبوط)، حيث يكون فرق الضغط أقل (نحو 2 رطل/بوصة²)، تبقى الأبواب مؤمنة بمجموعة من المزالج الميكانيكية والإلكترونية التي لا تُفعّل إلا بعد توقف المحركات وتوصيل الطائرة بنظام التغذية الأرضية. ووفقًا لمعايير السلامة الصادرة عن ACI، فإن أي باب طوارئ لا يمكن فتحه إلا بعد تأكيد أن الطائرة على الأرض وضغط المقصورة متعادل مع الجو الخارجي.
ثمة استثناء تاريخي وحيد: حادثة "دان كوبر" عام 1971، حين اختطف راكب طائرة بوينج 727 وطلب فدية، ثم قفز منها عبر باب خلفي بعد أن أجبر الطيّار على خفض الارتفاع والضغط. لكن هذه الطائرة كانت من طراز قديم يسمح بفتح الأبواب الخلفية يدويًا عند انخفاض الضغط. ومنذ ذلك الحين، فُرض تركيب ما يُعرف بـ"أجنحة كوبر" (Cooper vanes) — وهي أجهزة ميكانيكية تمنع فتح الأبواب الخلفية أثناء الطيران، حتى لو انخفض الضغط.
أما في الطائرات العسكرية أو طائرات القفز بالمظلات، فالأمر مختلف؛ إذ لا تُضغَط هذه الطائرات، لذا يمكن فتح الأبواب بأمان أثناء الطيران. لكن في الرحلات المدنية، فإن التصميم الهندسي، والأنظمة الأمنية، والمعايير الدولية الصارمة — التي تشرف عليها منظمات مثل ICAO — تجعل من المستحيل عمليًا فتح باب الطائرة في الجو.
لذا، في المرة القادمة التي تجلس فيها بجانب مخرج طوارئ، اطمئن: فأنت في أمان تام. وبدلاً من القلق، يمكنك استغلال رحلتك للبحث عن أفضل العروض عبر حجز طيران رخيص لوجهتك القادمة، أو حتى استكشاف خيارات ارخص طيران داخلي لرحلاتك المحلية.
ليست هناك تعليقات: