مطار نواكشوط الدولي: تحفة معمارية تليق بعاصمة الصحراء
يُعد مطار نواكشوط الدولي (Nouakchott International Airport) أحدث الإضافات الطموحة لبنية موريتانيا التحتية، حيث يمثل نقلة نوعية في مفهوم المطارات الحديثة بمنطقة غرب أفريقيا. يحمل المطار رمز الإيكاو: GQNN، ورمز الإياتا: NKC، ويتميز بموقعه الاستراتيجي على طريق نواكشوط/نواذيبو السريع، على بعد 25 كيلومتراً من وسط العاصمة الموريتانية. يُعرف المطار أيضاً باسم "مطار أم التونسي الدولي"، تيمناً بمنطقة ومعركة أم التونسي التاريخية التي وقعت في 18 أغسطس 1932، والتي شكلت منعطفاً حاسماً في مسيرة النضال الوطني ضد الاستعمار الفرنسي.

مطار أم التونسي: من المطار القديم إلى الصرح الحديث
على الرغم من صعوبة تحديد التاريخ الدقيق لتأسيس مطار نواكشوط الأصلي بدقة، تشير السجلات التاريخية إلى أن مطار أم التونسي القديم ظل يشكل المركز الرئيسي لعمليات الخطوط الموريتانية حتى أواخر عام 2010، عندما تم إغلاقه بشكل تدريجي لصالح المطار الجديد. شكلت هذه المرحلة الانتقالية نقطة تحول كبرى في تاريخ الطيران المدني الموريتاني، حيث انتقلت البلاد من منشأة طيران تقليدية إلى مجمع جوي متكامل يواكب أحدث المعايير الدولية.
تمثل معركة أم التونسي، التي يُنسب إليها اسم المطار، رمزاً وطنياً خالداً في الذاكرة الجماعية للشعب الموريتاني، حيث مثلت انتصار إرادة المقاومة الوطنية وبداية انسحاب القوات الفرنسية من الأراضي الموريتانية. وهذا ما يجعل من تسمية المطار بهذا الاسم إحياءً لذكرى بطولية وتأكيداً على الهوية الوطنية المستقلة.
الحلم يتحقق: ميلاد مطار نواكشوط الدولي الجديد
شكل افتتاح مطار نواكشوط الدولي الجديد "مطار أم التونسي الجديد" في منتصف عام 2016 محطة تاريخية في مسيرة التنمية بموريتانيا، حيث مثل أول منشأة طيران في البلاد تُصمم وفق المقاييس والمعايير الدولية الحديثة. جاء هذا الصرح الجديد كبديل استراتيجي للمطار القديم الواقع في وسط العاصمة، والذي كانت تتجنبه معظم شركات الطيران الدولية بسبب مخاوف تتعلق بمعايير السلامة والأمان.
تشير أحدث التقارير الصادرة عن وزارة التجهيز والنقل الموريتانية إلى أن مطار أم التونسي الجديد ساهم في زيادة حركة النقل الجوي بنسبة 65% خلال السنوات الثلاث الأولى من تشغيله، حيث استقبل أكثر من 750 ألف مسافر في عام 2023، مع توقعات بتجاوز حاجز المليون مسافر بحلول عام 2025. كما ساهم المطار في إنعاش الاقتصاد الوطني من خلال خلق أكثر من 1200 فرصة عمل مباشرة و3000 فرصة عمل غير مباشرة.
أعلن وزير الاقتصاد والمالية الموريتاني، مختار ولد دياي، في ديسمبر 2018 عن وجود عجز مالي في أداء الشركة الوطنية المُدارة للمطار خلال السنوات الثلاث السابقة، مما استدعى إعادة هيكلة نموذج الإدارة. تم سحب إدارة مطار نواكشوط من شركة أفروبورت التابعة لمطارات أبوظبي، التي كانت تستفيد من نظام ضريبي خاص، وتم الانتقال إلى نموذج إداري أكثر توافقاً مع المصالح الوطنية.
تصميم مطار نواكشوط المعماري الفريد ومرافق متطورة
تم تصميم مطار نواكشوط الجديد بتوقيع المهندس المعماري الموريتاني المتميز عمر حويس، الذي استلهم في تصميمه العناصر المعمارية التقليدية للمنطقة مع دمجها بالتقنيات الحديثة. أشرفت شركة Egis الفرنسية المتخصصة على الدراسات الفنية وإدارة المشاريع، بينما تولت شركة النجاح الموريتانية أعمال البناء الفعلية التي انطلقت في نوفمبر 2011.
كان من المقرر مبدئيا أن تستمر أعمال البناء في مطار أم التونسي 30 شهراً، لكن التحديات التقنية واللوجستية أدت إلى تمديد المدة. في إطار الترتيبات التمويلية للمشروع، قامت الدولة الموريتانية ببيع 451 هكتاراً من الأراضي الواقعة في وسط نواكشوط لشركة النجاح، ثلثها منطقة سكنية وثلثيها يشمل المطار القديم، على أن تقوم الشركة بإعادة بيع هذه الأراضي على دفعات لتمويل المشروع.
يوفر مطار نواكشوط مجموعة متكاملة من المرافق والخدمات المتطورة تشمل:
- محطة ركاب رئيسية تبلغ مساحتها 22 ألف متر مربع، مجهزة بـ 6 بوابات متحركة متطورة
- 18 بوابة لتسجيل الركاب مزودة بأنظمة check-in إلكترونية متقدمة
- 20 بوابة للوافدين مجهزة بأحدث أنظمة الجوازات والجمارك
- 3 أنظمة ناقلة للحقائب تعمل بتقنيات الأتمتة المتطورة
- قاعة فاخرة مخصصة لكبار الشخصيات بتصميم راقٍ وخدمات متميزة
- قاعتين للصلاة مصممتين وفق أعلى المعايير
- قاعتي شرف للاستقبالات الرسمية والوفود الدولية
- 3 مساجد تتسع لأكثر من 1000 مصلٍ
- منطقة عبور مريحة بمطار أم التونسي للمسافرين بين الصالات
- 5 مصاعد ميكانيكية و3 سلالم متحركة لتسهيل الحركة
- 8 بوابات ركاب مجهزة بأنظمة تفتيش متطورة
- 20 محلاً تجارياً تشمل مطاعم عالمية ومحلية، وكالات سفر، ومتاجر تذكارات، وصرافات آلية
- محطة رئاسية فاخرة بمساحة 3000 متر مربع مجهزة بأحدث التقنيات
بنية مطار أم التونسي التحتية المتكاملة وتجهيزات تقنية متطورة
يتميز مطار أم التونسي ببنية تحتية متكاملة صممت لتلبية احتياجات الطيران الحديث، تشمل مرافق مطار نواكشوط:
- مدرج رئيسي بطول 3400 متر وعرض 60 متراً، مصمم لاستقبال أكبر الطائرات العالمية بما فيها طائرات البوينغ 777 والإيرباص A350
- مدرج ثانوي بطول 2800 متر وعرض 40 متراً للمسارات الإقليمية والطائرات المتوسطة الحجم
- برج مراقبة جوية متطور بارتفاع 39 متراً، مجهز بأحدث أنظمة الملاحة والاتصالات
- مجمع مباني إدارية متكامل لإدارة عمليات المطار
- مركز إطفاء متطور مجهز بأحدث معدات مكافحة الحرائق
- مستودع بضائع متطور بمساحة 4200 متر مربع، مجهز بأنظمة تخزين وتداول آلية
- 4 مرابط طائرات مجهزة بأنظمة التزود بالوقود والخدمات الأرضية
- مخازن وقود متطورة تفي بالاحتياجات التشغيلية
- محطة معالجة مياه متكاملة تعمل بتقنيات صديقة للبيئة
- موقف سيارات ذكي يتسع لـ600 مركبة، مع نظام إدارة وحجز إلكتروني
تحديات تمويل مطار أم التونسي وآفاق المستقبل
واجهت شركة النجاح تحديات مالية كبيرة خلال مرحلة البناء، مما استدعى الحصول على قرض بقيمة 15 مليار أوقية موريتانية (ما يعادل 36.8 مليون يورو) من الشركة الوطنية للصناعات والتعدين في موريتانيا (SNIM). تم ضمان هذا القرض من خلال رهن عقاري لجزء من الأراضي التي تنازلت عنها الدولة للشركة.
أدى تأخر انتهاء أعمال بناء مطار نواكشوط عن الجدول الزمني المحدد إلى زيادة التكاليف على كل من الشركة المنفذة والحكومة الموريتانية. ومع ذلك، فقد دخل المطار الخدمة بنظام تشغيل قائم على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بهدف تطوير نشاط "مطار أم التونسي الجديد" ورفع مستوى أدائه وخدماته.
يشكل هذا النموذج التشغيلي أداة فعالة لخلق الموارد المالية اللازمة لضمان الاستغلال الأمثل للمنشأة وتقديم صيانة فعالة لهذا الصرح الحيوي. تزامناً مع احتفالات عيد الاستقلال الوطني، فتحت وزارة التجهيز والنقل أبواب المطار الجديد أمام المواطنين ووسائل الإعلام للاطلاع على مرافقه وخدماته، في خطوة تهدف إلى تعزيز الشفافية والثقة في هذا المشروع الوطني الكبير.
يشكل مطار نواكشوط اليوم جزءاً من منظومة طيران متكاملة في موريتانيا، إلى جانب مطار نواذيبو ومطار أطار ومطار أزويرات ومطار النعمة، مما يعزز من مكانة البلاد كمركز لوجستي في منطقة غرب أفريقيا.
ليست هناك تعليقات: