كثيرة هي وسائل الترفيه على متن الطائرات، ومن الطبيعي أن تتبارى خطوط الطيران في إتاحة المزيد والمزيد من وسائل الترفيه على متن رحلاتها. فوسائل الترفيه تلعب دوراً محورياً في تسلية الركاب وجعل رحلاتهم أقل توتراً وأكثر متعة، كما أن شركات الطيران باتت تعتبر تجربة الترفيه جزءاً أساسياً من علامتها التجارية. إذ لم يعد الأمر مقتصراً على مشاهدة فيلم أو الاستماع إلى الموسيقى، بل أصبح يشمل منظومات رقمية متكاملة توفر للمسافر تجربة شخصية تفاعلية.
في العقد الأخير، تطورت أنظمة الترفيه الجوي بشكل لافت، حيث أصبحت تعتمد على شاشات عالية الدقة، واتصال إنترنت سريع عبر الأقمار الصناعية، وخدمات بث مباشر للأخبار والرياضة. كما أدخلت شركات مثل طيران الإمارات والاتحاد للطيران والخطوط القطرية تقنيات الواقع المعزز، وتطبيقات ذكية تسمح للركاب بإدارة تجربتهم بأنفسهم، من اختيار الوجبات إلى التحكم بالإضاءة والمقاعد.
ومع كل هذا التنوع، تسعى شركات الطيران باستمرار إلى قياس مدى رضا المسافرين عن أنظمة الترفيه التي تقدمها، وتطويرها بناءً على تفضيلات الركاب المختلفة. فهناك من يفضل مشاهدة الأفلام والمسلسلات، وهناك من يجد متعته في الألعاب التفاعلية أو متابعة الأخبار. ومن اللافت أن العديد من المسافرين، رغم التطور التقني الهائل، ما زالوا يفضلون وسائل الترفيه الكلاسيكية التي تمنحهم شعوراً بالهدوء والتركيز.
الصحف الورقية هي وسيلة الترفيه المفضلة على متن الطائرات
تشير دراسة حديثة أجرتها مؤسسات بحثية متخصصة في الإعلام والطيران إلى أن الصحف الورقية ما زالت تحتفظ بمكانة مميزة لدى شريحة واسعة من المسافرين، رغم الانتشار الكبير للوسائط الرقمية. فقد أظهرت دراسة موسعة أجرتها مجموعة أبحاث الطيران الدولية بتكليف من موزع الإعلام العالمي داوسون، أن الصحف المطبوعة تتفوق على المنصات الإلكترونية في تفضيلات القراءة بين ركاب الطائرات، خصوصاً من فئة جيل الألفية.
تمت الدراسة على عينة مكونة من أكثر من 400 مسافر دائم، يمثلون ركاب 120 شركة طيران عالمية، وتم جمع البيانات خلال الفترة من أبريل 2016 حتى عام 2024 ضمن دراسات متتابعة لقياس التحول في عادات القراءة الجوية. وأظهرت النتائج أن 77% من الركاب يعتبرون وقت الرحلة فرصة مثالية للاطلاع على الأخبار ومتابعة الأحداث، ويفضلون الصحف الورقية على التطبيقات الرقمية، خصوصاً في الرحلات الطويلة.
المثير للاهتمام أن الفئة العمرية الأصغر (من 21 إلى 39 عاماً) كانت الأكثر إقبالاً على قراءة الصحف الورقية، بنسبة وصلت إلى 82%، مقارنة بـ69% للفئات فوق الأربعين عاماً. ويرى الخبراء أن هذا الاتجاه يعكس رغبة الجيل الرقمي في الانفصال عن الأجهزة والشاشات خلال الرحلات الجوية، والعودة إلى القراءة الهادئة التي تمنحهم إحساساً بالاسترخاء والتركيز بعيداً عن الإشعارات والتنبيهات المستمرة.
كما كشفت الدراسة أن الصحف الورقية لا تُعد فقط وسيلة للترفيه، بل أيضاً رمزاً للثقة والمصداقية. فـ91% من المشاركين أكدوا أن الأخبار المطبوعة أكثر موثوقية من نظيراتها الرقمية، بينما يرى 68% أن قراءة الصحف تساعدهم على تنظيم الوقت خلال الرحلات الطويلة.
ورغم أن بعض شركات الطيران قلصت توزيع الصحف لأسباب بيئية، فإن العديد منها عاد مؤخراً إلى توفيرها ضمن درجة الأعمال والدرجة الأولى، مع تقديم خيارات هجينة مثل الصحف الرقمية القابلة للتحميل قبل الإقلاع. كما قامت شركات مثل لوفتهانزا والخطوط البريطانية بتجربة توزيع أجهزة قراءة إلكترونية تحتوي على نسخ PDF من الصحف اليومية العالمية.
تحولات الترفيه الجوي في عصر التكنولوجيا
في السنوات الأخيرة، شهد قطاع الترفيه الجوي نقلة نوعية بفضل التطور التكنولوجي. إذ أصبحت أنظمة الترفيه الفردية جزءاً أساسياً من تجربة السفر، حيث توفر أكثر من 4000 ساعة محتوى مرئي وصوتي بلغات متعددة. وأصبحت شركات الطيران تتنافس في توفير محتوى محلي وعالمي يراعي الثقافات المختلفة للمسافرين.
وأدخلت بعض الشركات ميزة الاتصال بالإنترنت عالي السرعة (In-Flight Wi-Fi)، مما أتاح للمسافرين العمل أو متابعة البث المباشر أثناء الرحلة. كما انتشرت تطبيقات "المحتوى حسب الطلب" التي تتيح للراكب تحميل ما يرغب في مشاهدته قبل الصعود للطائرة، لتقليل استهلاك الشبكة أثناء الطيران.
توازن بين الرقمي والتقليدي
في حين يتزايد الاعتماد على الوسائط الرقمية، تبقى الوسائل التقليدية مثل الصحف والمجلات المطبوعة حاضرة بقوة في تجربة السفر. فالكثير من الركاب يرون في تصفح صحيفة ورقية أثناء التحليق فوق السحاب طقساً مميزاً يربطهم بزمن هادئ بعيد عن ضجيج العالم الرقمي. وربما لهذا السبب، لا تزال الصحف الورقية تُوزع في أكثر من 65% من رحلات الدرجة الأولى حول العالم في عام 2025.
وبينما يستمر سباق التكنولوجيا في تقديم مزيد من المحتوى الذكي والتفاعلي، يبدو أن الصحف الورقية ستبقى جزءاً من مشهد الطيران، ليس فقط كوسيلة ترفيه، بل كرمز للهدوء والأناقة الكلاسيكية في عالم تتسارع فيه الشاشات.
ليست هناك تعليقات: