عند التفكير في السفر لأول مرة عبر الطائرة، يتبادر إلى ذهن الكثير من المسافرين هاجس السلامة، وتحديدًا: هل لمكان الجلوس داخل الطائرة دور في رفع فرص النجاة في حال وقوع حادث؟ هذه الفكرة أصبحت متكررة بشكل كبير خاصة لدى من لا يملكون خبرة طويلة في السفر الجوي. فبينما يجلس بعض الركاب قرب النوافذ بحثًا عن المتعة بالمناظر، يفضل آخرون المقاعد المجاورة للممر لسهولة الحركة، لكن يبقى السؤال الأكثر تكرارًا: ما هي المقاعد الأكثر أمانًا على متن الطائرة؟
من المهم بدايةً التأكيد على أن السفر الجوي هو الأكثر أمانًا عالميًا مقارنة بوسائل النقل الأخرى. تشير تقارير السلامة الصادرة عن الاتحاد الدولي للنقل الجوي (IATA) إلى أن احتمالية الوفاة نتيجة حادث طيران تبلغ تقريبًا واحدًا من بين عشرة آلاف حادث محتمل، في حين أن حوادث الطرق تتسبب في نسب وفاة أعلى بمئات المرات، تصل إلى واحد من كل مائة تقريبًا. هذا يعكس أن الطيران، رغم التغطية الإعلامية الضخمة التي تحظى بها أي حادثة، يبقى وسيلة نقل عالية الأمان، بل وتزداد موثوقيته مع تطور التكنولوجيا ومعايير الصيانة العالمية.
ورغم هذه الأرقام المطمئنة، إلا أن بعض الحوادث المأساوية التي يتم تداولها على نطاق واسع عبر وسائل الإعلام، إلى جانب قصص الناجين الذين غالبًا ما يربطون نجاتهم بمكان جلوسهم، تغذي القلق لدى فئة من المسافرين. ولهذا السبب قامت عدة مراكز بحثية وجامعات مرموقة مثل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وإدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية (FAA) بإجراء دراسات معمقة على آلاف الحوادث السابقة، شملت تحليل أماكن جلوس الركاب، نسب الوفيات، وسرعة الإخلاء في الظروف المختلفة.

ما الذي تكشفه الدراسات عن المقاعد الأكثر أمانًا؟
أجرت مجلة Time بالتعاون مع المجلس الوطني لسلامة النقل الأمريكي (NTSB) دراسة شاملة على بيانات تمتد لأكثر من خمسين عامًا وتشمل أكثر من 4400 حادث مسجل. النتائج أظهرت أن توزيع نسب النجاة ليس عشوائيًا بالكامل، بل هناك أنماط واضحة مرتبطة بأقسام معينة داخل الطائرة:
المقاعد الوسطى في الطائرة الأقل أمانًا
- 41% من الوفيات سُجلت في المقاعد الواقعة بمنتصف الطائرة.
- 30% في الثلث الأمامي (خاصة عند الاصطدام المباشر).
- 29% في الثلث الخلفي، الذي يُظهر بعض الأمان النسبي.
وهذا يشير إلى أن المقاعد في الجزء الخلفي قد تمنح ميزة طفيفة من حيث الأمان، رغم أن عوامل أخرى قد تغير النتائج.
المقاعد بجانب النوافذ أكثر عرضة للخطر
- 40% من الوفيات وقعت بين ركاب المقاعد الملاصقة للنوافذ.
- 38% في المقاعد المجاورة للممر.
- 22% فقط في المقاعد الوسطية (غير الملاصقة لا للممر ولا للنافذة).
يُعزى ذلك إلى أن المقاعد بجوار النوافذ تكون عادة أبعد عن مخارج الطوارئ، كما أن الإصابات قد تزيد عند حدوث اصطدام جانبي أو تحطم في هيكل الطائرة.
لا فرق يذكر بين جانبي الطائرة
- 52% من الضحايا جلسوا على الجانب الأيمن.
- 48% على الجانب الأيسر.
النتيجة: لا يوجد تأثير حقيقي لمكان المقعد من حيث كونه يمينًا أو يسارًا.
عوامل أخرى أكثر أهمية من المقعد نفسه
من المهم التوضيح أن مكان المقعد ليس العامل الوحيد، بل ظروف الحادث ونوعه هي المحدد الرئيسي. فعلى سبيل المثال:
- في حالات الحرائق، تكون سرعة الإخلاء عبر مخارج الطوارئ هي الأهم.
- في حالات الاصطدام الأمامي، المقاعد الخلفية أكثر أمانًا.
- في حالات الانحراف على المدرج، المقاعد القريبة من المخارج الجانبية تقلل زمن الخروج.
الاستنتاج النهائي
يمكن القول إن المقاعد القريبة من مخارج الطوارئ والمجاورة للممر تمنح فرصًا أكبر للنجاة، خصوصًا عند الحاجة للإخلاء السريع. ومع ذلك، لا يمكن الجزم بأن هناك "أفضل مقعد على الإطلاق"، إذ أن كل حادث له ظروفه الخاصة. المهم أن يتذكر المسافر أن الطيران يظل آمنًا بشكل استثنائي مقارنة بأي وسيلة نقل أخرى، وأن الالتزام بتعليمات السلامة والاستماع لطاقم الطائرة قد يكون العامل الأهم في رفع فرص النجاة أكثر من اختيار المقعد نفسه. طالع: ارشادات المسافر بالطيران لأول مرة
ليست هناك تعليقات: