الأربعاء، 25 أكتوبر 2017

لماذا تطير طائرات الركاب علي ارتفاعات شاهقة؟

كثيرًا ما يتساءل المسافرون، وهم ينظرون من نافذة الطائرة عبر الغيوم البيضاء الممتدة، عن السبب الذي يجعل الطائرات التجارية تحلق على هذا الارتفاع الشاهق. فقد يتبادر إلى الذهن أن الطيران على مستويات منخفضة أقرب إلى سطح الأرض قد يكون أكثر أمانًا أو أكثر راحة، لكن الواقع أن اختيار الارتفاع ليس عشوائيًا، بل هو نتيجة مزيج من الاعتبارات العلمية والهندسية وقواعد السلامة الجوية والاقتصاد في استهلاك الوقود. وفي هذا المقال سنستعرض بالتفصيل الأسباب التي تجعل الطائرات التجارية تحلق عادة على ارتفاع يتراوح بين 30 ألفًا و40 ألف قدم، والقيود المرتبطة بالحد الأدنى والأقصى للارتفاعات الجوية.

لماذا تطير الطائرات على ارتفاعات عالية

لماذا تحلق الطائرات التجارية على ارتفاعات شاهقة؟

مع الارتفاع يقل ضغط الهواء وكثافته تدريجيًا، مما يعني مقاومة أقل لحركة الطائرة في السماء. هذا الانخفاض في مقاومة الهواء يجعل المحركات تعمل بكفاءة أعلى، فتستهلك وقودًا أقل وتحقق سرعة أكبر. لذلك فإن التحليق على ارتفاعات عالية ليس رفاهية، بل ضرورة اقتصادية وتقنية في آن واحد. لكن يجب التوازن: فكلما زاد الارتفاع، قلّ الأكسجين المتوفر لتشغيل المحركات، مما يفرض حدودًا عملية على أقصى ارتفاع يمكن بلوغه بأمان.

يُعتبر النطاق المثالي لطائرات الركاب ما بين 30 ألف و40 ألف قدم. فأقل من 30 ألف قدم يعني هواء أثقل ومقاومة أعلى وبالتالي استهلاك أكبر للوقود، وأكثر من 40 ألف قدم يؤدي إلى نقص حاد في الأكسجين والضغط الجوي مما قد يضعف أداء المحركات. إذن هذا الارتفاع هو "المعادلة الذهبية" بين الأمان، الكفاءة، والاقتصاد.

اختلافات بين أنواع الطائرات

الارتفاع المثالي ليس رقمًا ثابتًا لجميع الطائرات. فالطائرات الثقيلة أو ذات الحمولة الكبيرة قد تضطر للتحليق على ارتفاعات أقل قليلًا، بينما الطائرات العسكرية أو النفاثات الخفيفة قد تصل بسهولة إلى ارتفاعات تفوق 50 ألف قدم. بل إن بعض الطائرات المجهزة خصيصًا للأبحاث أو الاستخدامات العسكرية يمكن أن تقترب من حدود الغلاف الجوي.

تجنب الاضطرابات الجوية

من أبرز فوائد الارتفاع الشاهق هو تجنب تقلبات الطقس والمطبات الهوائية التي تكون أكثر شيوعًا في الطبقات الجوية القريبة من سطح الأرض حيث السحب الكثيفة وبخار الماء. ولهذا يلاحظ المسافرون أن الرحلة تصبح أكثر سلاسة بمجرد ارتفاع الطائرة فوق طبقة الغيوم إلى سماء صافية وهادئة. الهواء في هذه الطبقات العليا أقل كثافة، مما يقلل من الاهتزازات ويجعل الطيران أكثر راحة.

تجنب ازدحام المسارات الجوية

هناك شبكة من "الممرات الجوية" المعتمدة عالميًا لتوجيه حركة الطيران، وغالبًا ما تكون هذه الممرات مزدحمة بالطائرات المدنية. أما على الارتفاعات الأدنى فتزداد احتمالية مواجهة الطائرات الخفيفة، المروحيات، وحتى أسراب الطيور، ما قد يشكل تهديدًا خطيرًا. لذلك فإن التحليق على ارتفاعات شاهقة يقلل من مخاطر الاصطدام ويجعل المسارات أكثر انسيابية.

إتاحة وقت أكبر في حالات الطوارئ

في حال حدوث عطل فني أو فشل أحد المحركات، يمنح التحليق على ارتفاع كبير الطيارين وقتًا إضافيًا لاتخاذ الإجراءات اللازمة، سواء لإصلاح الخلل أو للتواصل مع أقرب مطار مناسب للهبوط الاضطراري. هذا الوقت الإضافي قد يكون فارقًا بين حادث مأساوي وهبوط آمن. ولهذا السبب تفرض هيئات الطيران الدولي قاعدة "القمرة المعقمة" التي تمنع الطيارين من الانشغال بأحاديث جانبية قبل بلوغ 10 آلاف قدم لضمان التركيز الكامل في المراحل الحرجة.

الحد الأدنى والحد الأقصى للارتفاع

تنص لوائح الطيران على عدم التحليق بأقل من 500 قدم فوق الأشخاص أو المباني المنعزلة، و1000 قدم فوق المناطق المأهولة بالسكان، وذلك لحماية الأرواح وتقليل المخاطر في حالة الطوارئ. وبالتالي فإن الحد الأدنى لارتفاع الطائرات التجارية هو 1000 قدم.

أما الحد الأقصى فليس مقيدًا بل يحدده "خط كارمان" الذي يقع على ارتفاع يقارب 327 ألف قدم (100 كيلومتر)، وهو الخط الفاصل بين الغلاف الجوي للأرض والفضاء الخارجي. لكن الطائرات التجارية لا تقترب أبدًا من هذا المستوى، فقدرتها التصميمية تنحصر في حدود 45 ألف قدم تقريبًا، بينما الفضاء الخارجي يتطلب مركبات خاصة مزودة بأنظمة دفع صاروخية. 

طالع أيضا: 2017 العام الأكثر أمانا في تاريخ الطيران

ليست هناك تعليقات:

تفضل باستفسارك