الكابتن رولا حطيط تُعد أيقونة في تاريخ الطيران اللبناني والعربي، فهي أول امرأة لبنانية تجلس على مقعد قيادة طائرة ركاب في شركة طيران الشرق الأوسط (MEA). قصة نجاحها لم تكن سهلة على الإطلاق، إذ بدأت رحلتها المهنية وسط اعتراضات كبيرة من عائلتها والمجتمع، في وقت لم يكن مألوفاً فيه أن تدخل امرأة إلى قمرة القيادة. ومع ذلك، استطاعت بعزيمتها وإصرارها أن تكسر الصورة النمطية السائدة وأن تفرض اسمها ضمن أبرز رواد الطيران في المنطقة، حتى أصبحت اليوم نموذجاً يُحتذى به لكل فتاة تطمح لدخول مجال الطيران.
البدايات والدراسة
وُلدت رولا حطيط في بلدة الدوير بجنوب لبنان، ثم انتقلت إلى بيروت لاستكمال دراستها الجامعية حيث التحقت بالجامعة الأمريكية لدراسة الرياضيات، وهو تخصص عُرفت بحبها له منذ صغرها. خلال سنواتها الجامعية، ظهر إعلان من شركة طيران الشرق الأوسط يطلب متدربين جدد لدراسة الطيران، وكان الشرط يشمل الذكور والإناث. المثير أن أحد زملائها سخر من فكرة أن تقود امرأة طائرة، وهو ما شكّل دافعاً قوياً لها لخوض التحدي والتقديم للاختبار. المفاجأة أنها نجحت في اجتياز امتحان القبول، في حين فشل الشاب الذي تحداها، ليكون ذلك نقطة التحول الكبرى في حياتها المهنية.
في البداية، قوبل قرارها بالرفض من عائلتها التي رأت أن دراسة الرياضيات خيار أكثر "أمناً"، لكن إصرارها دفعها للسفر إلى إسكتلندا عام 1993 ضمن ثمانية طلاب جميعهم من الذكور للتدريب على الطيران. منذ تلك اللحظة، بدأت رحلتها نحو كسر الحواجز الاجتماعية والثقافية التي حالت لعقود دون وجود نساء في قمرة القيادة بلبنان.
المسيرة المهنية داخل شركة MEA
على مدار أكثر من عقدين من الزمن، أثبتت الكابتن رولا حطيط أنها ليست مجرد "حالة استثنائية"، بل رائدة قادرة على تمهيد الطريق لغيرها. بدأت مسيرتها كمساعد طيار في العام 1995 خلال رحلة بين بيروت وبروكسل، وبعد سنوات طويلة من الخبرة والتميز، ارتقت إلى مقعد القائد لأول مرة في رحلة بيروت – عمّان عام 2011، لتُسطر اسمها كأول امرأة لبنانية تقود طائرة ركاب بشكل رسمي.
لم تكن هذه المسيرة خالية من التحديات، فقد واجهت رولا في بداياتها الكثير من النظرات المشككة من زملاء رجال لم يعتادوا وجود امرأة إلى جانبهم في قمرة القيادة. تصف بنفسها كيف كان البعض يراقب كل حركة تقوم بها وكأنهم ينتظرون منها الخطأ. إلا أنها واجهت ذلك بالصبر والالتزام والتفوق المهني، حتى نالت احترام الجميع وأصبحت قدوة لكل من لحق بها في هذا المجال.
رولا حطيط: ما بين الطموح والعلم
لم تقتصر طموحات الكابتن رولا على قيادة الطائرات فقط، بل واصلت مشوارها الأكاديمي بالتوازي مع عملها. فقد أنهت دراسة الرياضيات في الجامعة الأمريكية ببيروت، ثم حصلت على درجة الماجستير في التخصص ذاته، وهي حالياً تسعى إلى الحصول على درجة الدكتوراه. بالإضافة إلى ذلك، تشغل منصباً مهماً كنائب لرئيس الاتحاد الإقليمي لقائدي الطائرات التجارية، حيث تعمل على تعزيز دور المرأة في الطيران وتوفير منصات تدريبية للجيل الجديد من الطيارين.
رولا متزوجة من طيار زميل لها في العمل وهي أم لولدين، وتؤكد دائماً أن نجاحها لم يكن ليكتمل دون دعم أسرتها لاحقاً، بعد أن رأوا إصرارها وإيمانها بطموحها. كما أنها شاركت خلال الأعوام الأخيرة في مؤتمرات دولية خاصة بتمكين المرأة في قطاع النقل الجوي، وأصبحت رمزاً في حملات منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO) التي تسعى لزيادة نسبة مشاركة النساء في هذا المجال الحيوي.
رسالة إلهام للأجيال القادمة
تقول الكابتن رولا إنها لم تحلم يوماً أن تكون طيارة صغيرة أو أن تملك شغف الطيران في طفولتها، بل كان شغفها بالرياضيات هو الذي قادها بطريق غير مباشر إلى الطيران. المفارقة أن تحدياً بسيطاً في قاعة الجامعة مع أحد الزملاء كان الشرارة التي غيرت مسار حياتها. اليوم، وبعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً على تلك اللحظة، أصبحت رولا حطيط قدوة ملهمة ليس فقط للنساء في لبنان، بل لكل من يواجه تحديات مجتمعية أو مهنية ويبحث عن سبيل لإثبات ذاته.
ليست هناك تعليقات: