الثلاثاء، 7 فبراير 2017

أغرب طلبات تلقاها مضيفي الطيران

أغرب المواقف والطلبات التي واجهها مضيفو الطيران

مضيفو الطيران ليسوا مجرد مقدّمي طعام وشراب في السماء، بل هم في الحقيقة خط الدفاع الأول عن سلامة الركاب، والمصدر الدائم للطمأنينة أثناء الرحلات الجوية. لكن وسط هذا الانضباط الشديد، لا يخلو عملهم من مواقف طريفة وغريبة، بعضها يثير الدهشة، وبعضها يثير الضحك، وبعضها يجعلهم يتساءلون عن المنطق البشري نفسه!

في محاولة لإظهار الجانب الإنساني والفكاهي من عالم الطيران، جلسنا مع مجموعة من مضيفي ومضيفات الطيران من شركات عربية ودولية مختلفة، وسألناهم عن أكثر المواقف والطلبات غرابة التي واجهوها خلال عملهم على متن الطائرات. وجاءت الإجابات مليئة بالطرائف والمفاجآت التي ربما لم تخطر على بالك من قبل.

أغرب طلبات تلقاها مضيفو الطيران The strangest requests of the flight attendants

مواقف وطلبات لا تُصدق من الركاب

خلال كل رحلة، يتعامل طاقم الضيافة مع مئات الركاب من خلفيات وثقافات مختلفة، ولكلٍ منهم طريقته الخاصة في التعبير عن احتياجاته. غير أن بعض الطلبات التي تصل إلى الطاقم تكون خارجة عن المألوف تمامًا، أو غير منطقية على الإطلاق.

«هل يمكنني التحقق من درجة جمال المضيفات قبل الصعود؟»

أحد الركاب طلب من موظف البوابة أن يرى طاقم الطائرة أولًا «ليقرر إن كان سيصعد أم لا». وعندما أُبلغ بأن ذلك غير ممكن، أجاب مبتسمًا: "على الأقل أريد أن أتأكد أن الرحلة ستكون ممتعة!" ضحك الطاقم كثيرًا، لكن الراكب وجد نفسه وسط مقاعد الدرجة السياحية دون خيار آخر!

«هل يمكنني الذهاب إلى الحمام حافي القدمين؟»

هذا الطلب المكرر في أكثر من رحلة يسبب ذهولًا حقيقيًا للمضيفين. يشرح الطاقم مرارًا أن أرضية الحمام قد تكون غير نظيفة أو زلقة، لكن بعض الركاب يصرّ على "الراحة التامة"، وكأنهم في منزلهم. تقول إحدى المضيفات: "في كل مرة نرى راكبًا حافيًا، نبدأ العد التنازلي لحادثة انزلاق قادمة!"

«هل يمكنني اصطحاب دميتي الضخمة أو شجرة الكريسماس؟»

من أغرب المواقف التي رواها أحد أفراد الطاقم أن راكبًا جاء ومعه دمية دب ضخمة بحجم المقعد المجاور، وأصر على أن "لها تذكرة أيضًا". وفي رحلة أخرى، حاولت سيدة السفر بشجرة عيد ميلاد مزينة بالكامل بالأضواء، مبرّرة ذلك بأنها "تخاف أن تنكسر أثناء الشحن". انتهى الأمر بوضع الشجرة في المقصورة الخلفية، بعد مفاوضات دامت عشر دقائق!

«هل يمكنني الجلوس على مقعد المضيفات؟»

يرغب بعض الركاب في تجربة كل ما هو مختلف داخل الطائرة، ومنهم من يطلب الجلوس في مقعد الطاقم أثناء الإقلاع فقط "ليجرب المنظر". يُفسَّر له الأمر بأنه ممنوع لأسباب سلامة، لكن لا يخلو الموقف من تعليق ظريف مثل: "لا بأس، سأكتفي بالتصفيق عند الهبوط."

«لا أريد أن أجلس بجانب الغرباء!»

قالها أحد الركاب بجدية تامة. وعندما سُئل إن كان يريد مقعدًا فارغًا، أجاب: "أريد مقصورة خاصة." ابتسمت المضيفة بلطف وأجابته: "ستحصل عليها في الرحلة القادمة عندما تقود طائرة خاصة بك!"

«أريد الاحتفال بعيد ميلادي في كابينة القيادة!»

الطلبات المتعلقة بعيد الميلاد لا تتوقف، من إعلان في مكبر الصوت إلى محاولة دخول قمرة القيادة بالبالونات. في بعض الحالات، يتعاون الطاقم ويغني للراكب احتفالًا رمزيًا، لكن دخول المقصورة بالطبع أمر غير مسموح إطلاقًا. تقول إحدى المضيفات: "نحن نحب الفرح، لكن ليس لدرجة تعطيل الطيار عن الهبوط!"

«هل يمكنكم تغيير حفاضة طفلي؟»

من أكثر المواقف التي تثير الحرج. تُوضح المضيفات أن هذا العمل من اختصاص الوالدين، وهناك أماكن مخصصة لذلك في الحمام. لكن بعض الركاب، خاصة في الرحلات الطويلة، يتوقعون أن تكون المضيفة «كل شيء»، من مربية إلى طبيبة إلى صديقة!

«هل يمكنني الحصول على قالب شوكولاتة بدل الوجبة؟»

يبدو طلبًا بريئًا، لكن عندما يصرّ الراكب على نوع محدد من الشوكولاتة الفاخرة، تبدأ المغامرة. بعض شركات الطيران بدأت فعلًا بإضافة وجبات «مخصصة للحلوى» بعد تكرار هذه المواقف. يقول أحد المضيفين مازحًا: "ربما سيأتي يوم نوزع فيه الشوكولاتة بدل بطاقات الصعود!"

«أنا وزوجتي نقضي شهر العسل ونتوقع معاملة الملوك.»

تكررت هذه العبارة كثيرًا، وغالبًا ما يتعامل معها الطاقم بروح لطيفة. يُقدَّم للزوجين تذكير رمزي أو بطاقة تهنئة من الطاقم، لكن البعض يطلب "ترقية فورية إلى الدرجة الأولى"! يقول أحد المضيفين: "نحن نمنح الابتسامة مجانًا، أما الترقية فلها حساب مختلف."

«هل يمكنني الحصول على رقم هاتفك الشخصي؟»

واحدة من أكثر المواقف إزعاجًا للمضيفات. البعض يتعامل مع المضيفة كأنها جزء من تجربة ترفيهية، وينسى أنها في مهمة عمل رسمية. تقول مضيفة بخبرة عشر سنوات: "أبتسم دائمًا، لكنني أتعامل مع الموقف باحترافية. الحدود المهنية لا يمكن تجاوزها مهما كانت الطرافة."

«أخيرًا هبطت الطائرة... هل يمكنني أن أنام نصف ساعة قبل النزول؟»

هذا الطلب طريف جدًا ويحدث أكثر مما تتخيل! في رحلات الليل الطويلة، يشعر بعض الركاب بأن مقعدهم تحول إلى سرير حقيقي، وحين يُعلن الطيار عن الهبوط، يطلبون «غفوة أخيرة». يرد الطاقم بابتسامة: "يمكنك المتابعة في الفندق، فلدينا رحلة جديدة على الأبواب!"

بين الطرافة والاحتراف: كيف يتعامل الطاقم مع المواقف الغريبة

مضيفو الطيران يتلقون تدريبًا خاصًا ليس فقط على إجراءات السلامة والإسعافات الأولية، بل أيضًا على مهارات التواصل وفهم سلوك الركاب. فقد يتحول الموقف الغريب إلى لحظة ضحك تُخفّف التوتر في الرحلة، أو إلى تحدٍّ يتطلب ذكاءً عاطفيًا للتعامل معه دون إحراج.

وتشير بعض الدراسات إلى أن أكثر من 65% من المضيفين واجهوا مواقف غير متوقعة خلال الشهر الواحد، بينما قال 40% منهم إن الدعابة تساعد على الحفاظ على توازنهم النفسي خلال الرحلات الطويلة. الابتسامة، كما يقولون، هي «الدرع السحري» في مواجهة المواقف الغريبة.

في الختام

مهنة الضيافة الجوية مليئة بالمفاجآت، تجمع بين الجدية المطلقة في السلامة، والخفة الجميلة في التعامل الإنساني. وإذا كان بعض الركاب يطلبون المستحيل، فإن مضيفي الطيران يثبتون دائمًا أن خلف الابتسامة الهادئة تدريب طويل، واحتراف حقيقي، وصبر لا ينتهي.

في المرة القادمة التي تصعد فيها إلى الطائرة، تذكّر أن وراء كل كوب قهوة تقدّمه المضيفة، حكاية، وربما موقف أغرب مما تتصور!

الاثنين، 6 فبراير 2017

ستار للطيران - خطوط ستار الجوية

ستار للطيران Star Aviation الجزائرية

ستار للطيران (Star Aviation) هي شركة طيران خاصة جزائرية تُعد من أبرز شركات الطيران المتخصصة في مجال النقل الجوي الداخلي وخدمات الشحن ونقل عمال شركات النفط والطاقة في الجنوب الجزائري. تأسست الشركة برؤية تهدف إلى ربط المناطق النائية في الصحراء الكبرى بشبكة النقل الجوي الوطنية، وتوفير خدمات عالية الكفاءة لقطاع الطاقة والبترول الذي يُعد العمود الفقري للاقتصاد الجزائري.

يقع المقر الرئيسي للشركة في مطار كريم بلقاسم بحاسي مسعود، وهي المنطقة التي تمثل القلب النابض لصناعة النفط الجزائرية، بينما يقع مقرها التشغيلي الثانوي في مطار هواري بومدين الدولي بالعاصمة الجزائر. لا تمتلك الشركة حتى الآن رموز إياتا (IATA) أو إيكاو (ICAO)، إلا أنها تحمل رمز النداء الرسمي: “Star Aviation”، وتعمل بتصريح رسمي من المديرية العامة للطيران المدني الجزائري.

ستار للطيران Star Aviation

تاريخ تأسيس وتطور ستار للطيران

تأسست شركة ستار للطيران عام 2001، في إطار شراكة جزائرية سويسرية جمعت بين مجموعة من المستثمرين المحليين وشركة Zimex Aviation السويسرية، المعروفة بتخصصها في خدمات الصيانة الجوية والنقل اللوجستي وتدريب الطيارين. كان الهدف من المشروع في بدايته هو دعم شركات النفط العاملة في الصحراء الجزائرية، من خلال نقل فرق العمل والمعدات بسرعة وأمان بين الحقول النفطية والمراكز الحضرية.

استمرت هذه الشراكة الناجحة حتى سبتمبر عام 2009، حين استحوذ رجال أعمال جزائريون، على رأسهم توفيق بن جديد وعائلة محمد فشكار، على كامل أسهم الشركة، لتصبح تابعة بالكامل لمجموعة ريد ميد RedMed Group، وهي مجموعة جزائرية متكاملة تعمل في مجال الخدمات اللوجستية والطاقة والبنية التحتية.

مجموعة ريد ميد ودورها في دعم ستار للطيران

تُعتبر مجموعة ريد ميد RedMed من أبرز المجموعات الجزائرية العاملة في مجال الخدمات المتكاملة لقطاع النفط والطاقة. تركز المجموعة على تلبية احتياجات الشركات العاملة في الجنوب الجزائري من خلال منظومة متكاملة تشمل:

  • الخدمات اللوجستية (النقل البري والجوي والمعدات الثقيلة).
  • الخدمات الفندقية والإيواء للعاملين في المناطق الصحراوية.
  • الهندسة المدنية والمشروعات الصناعية.
  • تدريب الكوادر البشرية في مجالات الطيران والخدمات البترولية.

ولتحقيق هذه الأهداف، أنشأت المجموعة كيانات فرعية متخصصة، أبرزها:

  • Jet Air Sahara: شركة متخصصة في الرحلات الطويلة بين الجزائر والعواصم الأوروبية مثل لندن ومدريد وباريس.
  • Star Aviation: الذراع الداخلية للمجموعة، والمسؤولة عن الرحلات الداخلية وخدمات النقل الجوي في الجنوب.

كما تمتلك المجموعة شركة Schuch Engineering المتخصصة في الخدمات اللوجستية والهندسية، والتي تدعم عمليات الطيران من خلال توريد المعدات الثقيلة والمركبات المستخدمة في النقل البري، بالإضافة إلى شبكة متطورة من الورش الميكانيكية ومخازن قطع الغيار في كل من الجزائر العاصمة وحاسي مسعود وأدرار وعين صالح.

الخدمات التي تقدمها ستار للطيران

منذ تأسيسها، ركزت ستار للطيران على تقديم خدمات متخصصة عالية الجودة لقطاع الشركات والمؤسسات الحكومية والخاصة. وتتمثل أبرز خدماتها في:

  • نقل موظفي وعمال شركات النفط والغاز من وإلى الحقول البترولية.
  • خدمات الشحن الجوي للمعدات والمواد الصناعية الحساسة.
  • خدمات الإخلاء الطبي والإسعاف الجوي، المجهزة بطائرات مزودة بأحدث التجهيزات الطبية.
  • تأجير الطائرات الخاصة لكبار الشخصيات والشركات.
  • صيانة الطائرات وإدارة الأساطيل.
  • تدريب الطيارين والفنيين ضمن مركز تدريبي تابع للمجموعة.

في السنوات الأخيرة، قامت الشركة بتوسيع نطاق عملياتها لتشمل الرحلات الموجهة للسياحة الصحراوية والبيئية، خصوصًا إلى مناطق مثل تمنراست وجانت وعين صالح، في إطار دعم السياحة الداخلية وتشجيع الوجهات الجنوبية في الجزائر.

أسطول طائرات ستار للطيران

يمتاز أسطول Star Aviation بالتنوع والمرونة، حيث يضم طائرات مخصصة للرحلات القصيرة والطويلة، وطائرات مجهزة لمهام النقل اللوجستي والطبي. يتكون الأسطول الحالي من نحو 15 طائرة موزعة كالتالي:

  • 2 × De Havilland Canada DHC-6 Twin Otter (للرحلات الداخلية القصيرة والمطارات الصحراوية).
  • 2 × Boeing 737-900 (للرحلات التجارية والخاصة متوسطة المدى).
  • 3 × Beechcraft Super King Air (لخدمات الإسعاف الجوي ورجال الأعمال).
  • 8 × Pilatus PC-6 Porter (للشحن الجوي الخفيف وخدمات النقل في المناطق الوعرة).

تخضع جميع الطائرات للصيانة الدورية في ورش ريد ميد التقنية بحاسي مسعود، بإشراف مهندسين جزائريين مدربين في مراكز أوروبية متخصصة.

رؤية الشركة المستقبلية وتوسعاتها

تسعى ستار للطيران في رؤيتها لعام 2030 إلى أن تصبح الشركة الرائدة في النقل الجوي المتخصص في شمال أفريقيا. ومن أبرز مشاريعها المستقبلية:

  • إنشاء أول مصنع جزائري للطائرات الخفيفة للنقل والشحن، بالتعاون مع شركاء أوروبيين.
  • تطوير مركز تدريب إقليمي للطيارين والفنيين معتمد من المنظمة الدولية للطيران المدني (ICAO).
  • إطلاق خدمة الرحلات شبه المنتظمة بين حاسي مسعود ومدن جزائرية أخرى لتسهيل التنقل الداخلي.
  • توسيع نشاط الإسعاف الجوي ليشمل دول الجوار مثل تونس والنيجر وليبيا، ضمن اتفاقيات ثنائية قيد التفاوض.
  • التحول إلى أسطول أكثر استدامة باستخدام وقود طيران صديق للبيئة (SAF).

وفي عام 2024، أعلنت الشركة عن توقيع مذكرة تفاهم مع مصنع الطائرات السويسري Pilatus Aircraft لتحديث أسطولها بطائرات PC-12 NGX، وهي طائرة توربينية حديثة قادرة على الهبوط في المدارج القصيرة وغير المعبدة.

موقع ستار للطيران في سوق الطيران الجزائري

رغم أن السوق الجزائري يهيمن عليه الناقل الوطني الخطوط الجوية الجزائرية، فإن شركات مثل ستار للطيران تلعب دورًا استراتيجيًا في ملء الفراغ في قطاع النقل الجوي المتخصص. فهي تقدم نموذجًا ناجحًا للشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتساهم في تعزيز الاقتصاد المحلي من خلال توفير فرص عمل وتدريب لأكثر من 400 موظف بشكل مباشر وغير مباشر.

ويُتوقع أن تشهد الشركة نموًا متزايدًا خلال الأعوام القادمة، خاصة مع ازدهار مشاريع الطاقة المتجددة في الجنوب، وارتفاع الطلب على خدمات النقل الجوي اللوجستي في المناطق البعيدة.

خاتمة

تُعد ستار للطيران Star Aviation اليوم نموذجًا للنجاح الجزائري في مجال الطيران الخاص والخدمات الجوية المتخصصة. فمن خلال خبرتها التي تمتد لأكثر من عقدين، وشراكاتها التقنية الدولية، أصبحت الشركة ركيزة أساسية في منظومة النقل الجوي الجزائري، وساهمت في ربط الصحراء بالمدن الكبرى، وتطوير الخدمات الجوية في أكثر البيئات تحديًا في العالم.

الاثنين، 30 يناير 2017

ما القصة وراء تحية الطائرات بمدافع المياه؟

ما القصة وراء تحية الطائرات بمدافع المياه؟ Water Cannon Salute

في السنوات الأخيرة، انتشرت على نطاق واسع مقاطع فيديو وصور مدهشة لطائرات تُرش بالماء فور هبوطها على مدارج المطارات في مختلف أنحاء العالم. ولعلّ هذا المشهد البهيج والمهيب في آنٍ واحد يثير تساؤلات العديد من المسافرين والمشاهدين: لماذا تُغمر الطائرات بالماء عند وصولها؟ هل هو احتفال؟ أم تقليد أمني؟ أم مجرد إجراء رمزي لا أكثر؟ في الحقيقة، ما يُعرف باسم تحية الطائرات بمدافع المياه أو Water Cannon Salute هو طقس احتفالي عالمي في عالم الطيران المدني والعسكري على حد سواء، يرمز إلى الترحيب، التقدير، أو التكريم.

تحية الطائرات بمدافع المياه Water Cannon Salute

أصل وتاريخ تحية الطائرات بمدافع المياه

رغم أن التاريخ الدقيق لنشأة هذا التقليد الجوي غير موثّق بشكل رسمي، إلا أن أغلب المصادر تشير إلى أن جذوره مستوحاة من عالم البحار. ففي القرون السابقة، كانت السفن البحرية الكبيرة تُستقبل في الموانئ أو تُودّع برشّها بالماء بواسطة قاطرات الإطفاء أو سفن الإنقاذ، كتعبير عن الفخر والاحترام. ومع دخول الطيران عصره الذهبي منتصف القرن العشرين، نُقلت هذه العادة الرمزية إلى السماء.

تُرجّح الكثير من المصادر أن أول تحية بطائرات المياه سُجّلت في مطار سولت ليك سيتي الدولي (Salt Lake City International Airport) عام 1990، حين نظّم فريق الإطفاء بالمطار احتفالًا لتكريم طيارين متقاعدين من شركة دلتا إيرلاينز، عبر إنشاء قوس مائي ضخم مرت تحته الطائرة في مشهد مؤثر أصبح تقليدًا متبعًا في كل أنحاء العالم.

كيفية تنفيذ تحية الطائرات بمدافع المياه

يتم تنفيذ التحية وفق بروتوكول دقيق تلتزم به فرق الإطفاء في المطارات لضمان السلامة والاحترافية. عادةً ما تصطف مركبتان أو ثلاث مركبات إطفاء على جانبي المدرج أو الممر الذي تمر منه الطائرة بعد الهبوط. تبدأ المركبات في تشغيل مدافع المياه المثبتة على أسطحها، لتطلق تيارات قوية تشكل قوسًا مائيًا عملاقًا يمتد فوق الطائرة التي تمر ببطء تحته.

يُستخدم في هذه العملية عادةً ماء نظيف أو مزيج من الماء مع طبقة خفيفة من الهواء المضغوط لتقليل الاستهلاك. وفي بعض المطارات الحديثة مثل مطار دبي الدولي ومطار لندن هيثرو، يتم التحكم في زوايا الرش وكمية المياه عبر أنظمة إلكترونية دقيقة تضمن أن القوس المائي يتشكل بانسجام ودون أن يؤثر على أجهزة الطائرة أو محركاتها.

الجانب الفني والأمني للتحية

يعتقد البعض أن هذه المراسم قد تُهدر كميات كبيرة من المياه، إلا أن الحقيقة أن الكميات المستخدمة تكون محدودة ومُعاد تدويرها غالبًا. فهي جزء من الاختبارات اليومية التي تُجريها فرق الإطفاء على أنظمتها، مما يجعل الحدث ذا فائدة عملية أيضًا. كما تُستخدم المناسبة للتأكد من جاهزية المضخات والخراطيم، وهو ما يُعتبر اختبارًا عمليًا لفرق الطوارئ.

رغم الطابع الاحتفالي، إلا أن إجراءات السلامة تُراعى بدقة. ففرق الإطفاء لا تستخدم مدافع المياه القوية المخصصة للحرائق، بل تُخفض الضغط لتجنب توجيه تيارات قوية نحو هيكل الطائرة أو محركاتها. لكن، وقعت عبر التاريخ بعض الحوادث النادرة. أشهرها ما حدث في ديسمبر 2006 حين استخدمت فرق الإطفاء في مطار واشنطن دولس عن طريق الخطأ رغوة الإطفاء بدلاً من الماء لتحية طائرة بوينغ 777 تابعة لشركة يونايتد إيرلاينز، مما تسبب بأضرار سطحية في الطائرة وتأخير الرحلة التالية.

التحية بين البروتوكول والتقاليد

تحية الطائرات بمدافع المياه ليست مجرد احتفال رمزي، بل هي جزء من ثقافة الطيران العالمية التي تُعبّر عن الاحترام والتكريم. ورغم عدم وجود لوائح رسمية من منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO) تنظم هذه المراسم، فإن إدارات المطارات وشركات الطيران حول العالم تتعامل معها كعرف متفق عليه، مع مراعاة الظروف التشغيلية والأمنية.

أبرز المناسبات التي تُجرى فيها التحية

  • استقبال شركة طيران جديدة تشغل رحلاتها لأول مرة إلى المطار.
  • هبوط طراز طائرة جديد أو أول رحلة تجريبية لنوع حديث.
  • الاحتفال بتقاعد طيار أو قائد أسطول بعد سنوات طويلة من الخدمة.
  • توديع آخر رحلة لشركة طيران من مطار معين قبل إغلاق الخط.
  • استقبال شخصيات هامة أو فرق وطنية بعد إنجاز رياضي أو وطني.
  • الاحتفال بمناسبات وطنية أو دينية مثل اليوم الوطني أو رأس السنة.

من الأمثلة الشهيرة على هذه التحية، ما حدث عند وصول بوينغ 747-8 التابعة لشركة لوفتهانزا إلى مطار لوس أنجلوس لأول مرة، وكذلك التحيات المائية التي رافقت دخول طائرات إيرباص A380 الخدمة في مطارات عالمية مثل فرانكفورت، مانشستر، ودبي.

تحية الطائرات في العالم العربي

في المنطقة العربية، أصبحت التحية بمدافع المياه جزءًا من البروتوكول الجوي في كبرى المطارات. ففي مطار القاهرة الدولي مثلًا، تُقام التحية عند استقبال شركات جديدة أو طائرات حديثة. وفي المملكة العربية السعودية، تُستخدم التحية المائية في مطارات جدة والرياض والدمام لاستقبال الرحلات الافتتاحية للخطوط الدولية. أما في الإمارات العربية المتحدة، فمشهد القوس المائي أصبح علامة مميزة في احتفالات الطيران المدني، وغالبًا ما يتم بثه مباشرة عبر القنوات الرسمية وشبكات التواصل.

وفي عام 2024، شهد مطار الدوحة الدولي واحدة من أجمل التحيات المائية في العالم عند استقبال أول رحلة من شركة "أريانا الأفغانية" بعد توقف دام سنوات، في مشهد جسّد الأمل والتعاون الدولي.

زاوية السلامة والتحديات التشغيلية

من منظور هندسي، يثير هذا التقليد تساؤلات حول جدواه في ظل اشتراطات السلامة. فبعض خبراء الطيران أشاروا إلى احتمال تقليل جاهزية سيارات الإطفاء خلال فترة التحية، لأنها تصرف جزءًا من محتوى خزاناتها، ما قد يؤثر على سرعة الاستجابة في حال وقوع طارئ مفاجئ. ومع ذلك، فإن معظم المطارات الكبيرة تمتلك عددًا كافيًا من سيارات الإطفاء لضمان استمرار الجاهزية حتى أثناء التحية.

كما تُفرض قيود خاصة على التحيات التي تُجرى في ظروف جوية غير مستقرة أو عند وجود رياح قوية، حيث قد يُعاد توجيه تدفق المياه بشكل غير متوقع مما قد يؤثر على رؤية الطيارين أو على سطح الطائرة.

بين الرمز والإنسانية

ورغم الطابع الاحتفالي، تحمل تحية الطائرات بمدافع المياه أبعادًا إنسانية أيضًا. فقد استُخدمت هذه التحية في بعض المناسبات لتوديع ضحايا الكوارث الجوية، أو لتكريم طواقم أنقذت حياة ركاب. في عام 2021 مثلًا، أُقيمت تحية مائية مؤثرة في مطار أثينا تكريمًا لطائرة طبية شاركت في نقل مصابي جائحة كورونا، تقديرًا للطاقم الطبي العامل على متنها.

خاتمة

تمثل تحية الطائرات بمدافع المياه أكثر من مجرد عرض احتفالي؛ إنها تقليد عالمي يجسد روح الطيران ومعاني الاحترام والتقدير لكل من يسهم في جعل السماء أكثر أمانًا. وبينما تتطور تكنولوجيا الطيران يومًا بعد يوم، يبقى هذا الطقس الرمزي محتفظًا بجماله وإنسانيته، يربط بين الماضي البحري والحاضر الجوي، ويجعل من كل هبوط حدثًا يُحتفى به بالماء والضوء.

الجمعة، 27 يناير 2017

مطار حلب الدولي: ثاني أكبر مطار بسوريا

مطار حلب الدولي Aleppo International Airport

يقع مطار حلب الدولي في شمال الجمهورية العربية السورية، ويُعدّ ثاني أكبر مطار مدني في البلاد بعد مطار دمشق الدولي. يشكل المطار شريانًا رئيسيًا للحركة الجوية في المنطقة الشمالية، ويخدم مدينة حلب التاريخية ومحيطها الواسع من المحافظات والمدن الصناعية. يُدار المطار من قبل المؤسسة العامة للطيران المدني السوري ويحمل رمز الإيكاو OSAP ورمز الأياتا ALP. عرف المطار في بداياته باسم مطار النيرب، وهو أيضًا أحد المقار الأساسية لشركة الخطوط الجوية السورية، بالإضافة إلى كونه محطة انطلاق تاريخية لعدد من شركات الطيران السورية الخاصة.

مطار حلب الدولي Aleppo International Airport

تاريخ مطار حلب الدولي

يُعتبر مطار حلب الدولي واحدًا من أقدم المطارات في الشرق الأوسط. أُنشئ خلال فترة الانتداب الفرنسي في عشرينيات القرن العشرين، وكان يُستخدم آنذاك كمحطة صغيرة للرحلات البريدية والتجارية بين أوروبا والشرق. وفي عام 1926م، أُدرج المطار رسميًا ضمن خطة شركة الطيران الهولندية KLM لرحلاتها الطويلة من أمستردام إلى جاكرتا مرورًا بحلب، لتصبح المدينة إحدى المحطات الأولى للطيران المدني بين القارتين.

وفي عام 1930، حطّت في المطار الطيارة البريطانية الشهيرة أمي جونسون أثناء رحلتها التاريخية إلى ملبورن بأستراليا، لتسجّل أول هبوط لطائرة تقودها امرأة في مطار حلب، وهو حدث شكّل آنذاك نقلة رمزية في تاريخ الطيران النسائي.

شهد المطار توسعات متتابعة في خمسينيات القرن الماضي، حيث أُعيد تأهيله ليستقبل الرحلات الدولية المنتظمة. وفي ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، أصبح مركزًا إقليميًا مهمًا يربط بين مدن الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية والغربية، مما استدعى بناء صالات جديدة للركاب والشحن الجوي وتطوير البنية التحتية للملاحة الجوية.

تطور المطار وتحديثاته المعمارية

تبلغ مساحة مبنى الركاب الرئيسي في مطار حلب الدولي نحو 28 ألف متر مربع، ويتألف من أربعة طوابق مجهزة بأحدث المرافق والخدمات. صُمم المبنى ليستوعب أكثر من 1.5 مليون مسافر سنويًا، ويتضمن مناطق انتظار واسعة، قاعات للترانزيت، ومرافق تجارية وسياحية حديثة.

يضم المطار أيضًا مركز خدمات طبية يعمل على مدار الساعة، ومكاتب للجمارك والجوازات، وصالة لكبار الزوار، وفندق صغير مخصص للمسافرين العابرين. كما تتوفر في المطار خدمات السوق الحرة والمطاعم والمقاهي، بالإضافة إلى شبكة اتصالات وإنترنت حديثة تم تحديثها ضمن مشاريع التطوير الأخيرة.

المرافق التقنية ومواصفات المدارج

يحتوي مطار حلب الدولي على مدرج رئيسي بطول 5 كيلومترات وعرض 50 مترًا، مجهز بنظام إضاءة ملاحية من طراز CAT II يسمح بالهبوط في ظروف الرؤية المنخفضة. المدرج الثاني مخصص للاستخدام الاحتياطي والتدريب، وتربط المدرجين ممرات ملاحية تسهّل حركة الطائرات بين مناطق الوقوف وصالات الركاب.

تبلغ مساحة ساحة انتظار الطائرات حوالي 300 ألف متر مربع، وتضم ثماني بوابات تلسكوبية متصلة بالمبنى الرئيسي. يضم المطار أيضًا برج مراقبة حديث مزود برادارات رقمية وأجهزة ملاحة متطورة تدعم الإقلاع والهبوط الآمن في مختلف الظروف الجوية.

ومن أبرز المرافق التشغيلية في المطار مركز الإطفاء والإنقاذ الذي تم تحديثه عام 2022، حيث يضم أسطولًا من سيارات الإطفاء المتخصصة ونظام إنذار مبكر متصل بغرفة العمليات المركزية للطيران المدني السوري.

التحديات والحرب وتأثيرها على المطار

تعرض مطار حلب الدولي خلال سنوات الحرب السورية (2012–2016) لتدمير جزئي نتيجة القصف الصاروخي والمعارك التي دارت حوله، مما أدى إلى توقف عملياته بالكامل لفترة تجاوزت أربع سنوات. أُعيد تأهيل المطار لاحقًا على مراحل، حيث بدأت فرق الصيانة التابعة لمجلس مدينة حلب وفرع الإنشاءات العسكرية بإصلاح المدارج، وإعادة تأهيل مبنى الركاب والبنية الكهربائية والملاحية.

وفي ديسمبر 2016، أُعيد افتتاح المطار بشكل رسمي بعد سيطرة الجيش السوري على المنطقة المحيطة به. ومع حلول عام 2018، استؤنفت الرحلات الداخلية بين حلب ودمشق، تبعتها رحلات محدودة إلى اللاذقية والقامشلي. وخلال عام 2020، عادت الرحلات الدولية تدريجيًا إلى القاهرة، بغداد، وأحيانًا إلى دبي عبر الخطوط السورية والعراقية.

مطار حلب الدولي بعد عام 2021

منذ عام 2021، شهد المطار جهودًا متواصلة لإعادة تأهيله وتحديث أنظمته التشغيلية. في عام 2022، أعلنت وزارة النقل السورية عن تركيب أنظمة مراقبة جديدة وتحسين منظومات الإضاءة الملاحية والاتصالات. وفي فبراير 2023، تعرض المطار لأضرار طفيفة إثر الزلزال الذي ضرب شمال سوريا، ما أدى إلى إغلاقه مؤقتًا لإجراء فحوص السلامة الهيكلية قبل أن يُعاد تشغيله بعد أسابيع.

بحلول عام 2024، تم الانتهاء من مشروع توسعة ساحات الاصطفاف ومواقف السيارات وإنشاء محطة جديدة لمعالجة مياه الصرف الخاصة بالمطار وفق المعايير البيئية الدولية. كما تم إطلاق نظام حجز إلكتروني جديد بالتعاون مع المؤسسة السورية للطيران، يتيح للمسافرين حجز تذاكرهم عبر الإنترنت واستلامها في صالات المطار.

أهمية مطار حلب الاقتصادية والإستراتيجية

لا تقتصر أهمية المطار على كونه مركزًا للسفر فقط، بل يمثل عنصرًا أساسيًا في دعم النشاط الاقتصادي والتجاري للمدينة. فحلب تُعد العاصمة الصناعية لسوريا، والمطار يسهم بشكل مباشر في نقل المواد الخام والمنتجات الصناعية عبر الشحن الجوي. كما يُستخدم المطار لتسيير رحلات إنسانية وإغاثية في أوقات الأزمات والكوارث، مثلما حدث خلال زلزال 2023 حين استقبل عشرات الرحلات الدولية المحملة بالمساعدات.

استراتيجيًا، يُعتبر مطار حلب الدولي نقطة محورية في مشروع "الربط الجوي الإقليمي" الذي تعمل عليه وزارة النقل منذ عام 2024، بهدف تحويل المطار إلى محطة عبور إقليمية تربط بين أوروبا وآسيا عبر الأراضي السورية.

شركات الطيران والوجهات العاملة حتى 2025

اعتبارًا من عام 2025، يسير المطار رحلات منتظمة إلى:

  • دمشق واللاذقية (رحلات داخلية يومية).
  • القاهرة، بغداد، بيروت، دبي (رحلات إقليمية منتظمة).
  • رحلات موسمية إلى موسكو وأربيل وطهران خلال فترات الذروة السياحية.

وتعمل الخطوط الجوية السورية كناقل وطني رئيسي من وإلى المطار، كما تشغّل شركات عربية وأجنبية محدودة رحلات خاصة أو شحن جوي بالتنسيق مع سلطات الطيران المدني.

خدمات المسافرين والعمليات الحديثة

جرى تحديث قاعات الانتظار والمطاعم الداخلية خلال عام 2024، مع إضافة نظام عرض رقمي للرحلات باللغتين العربية والإنجليزية. كما زُوّد المطار بخدمة الإنترنت اللاسلكي المجانية في جميع الصالات، ونظام أمني جديد يعتمد على المراقبة الذكية بكاميرات عالية الدقة. ويجري العمل حاليًا على مشروع جديد لإنشاء منطقة حرة تجارية بالقرب من مبنى الركاب لتسهيل حركة البضائع والمستثمرين.

رؤية مستقبلية

تتطلع الحكومة السورية بالتعاون مع شركاء دوليين إلى تطوير المطار ليصبح مركزًا للنقل المتعدد الوسائط في شمال البلاد بحلول عام 2030. وتشمل الخطط المستقبلية إنشاء محطة قطار داخلية تربط المطار بمدينة حلب مباشرة، وتوسيع مدرج الطائرات لاستقبال طائرات الشحن العملاقة من طراز بوينغ 747F وإيرباص A350F.

خاتمة

يبقى مطار حلب الدولي شاهدًا على تاريخ المدينة العريق وصمودها، حيث جمع بين أصالة الماضي وحداثة المستقبل. ورغم التحديات التي مر بها، فإن استمراره في العمل يمثل رمزًا للأمل والنهوض من جديد، وركيزة أساسية لإعادة ربط سوريا بالعالم الخارجي جوًا واقتصادًا وسياحةً وثقافةً.

الثلاثاء، 24 يناير 2017

أخطر شركة طيران في العالم

أخطر شركة طيران في العالم – تقارير وتحليلات حتى عام 2025

من بين أكثر من ستين شركة طيران دولية كبرى حول العالم، نشر مركز تقييم بيانات حوادث الطيران الألماني JACDEC – Jet Airliner Crash Data Evaluation Centre تقريره السنوي الذي يتناول سجل السلامة الجوية لشركات الطيران العالمية. وقد شمل التقرير تحليلاً معمقًا للحوادث الجوية، وأصدر قائمة تتضمن ما اعتبره «أخطر شركات الطيران في العالم» استنادًا إلى البيانات المسجلة حتى نهاية عام 2016م، مع تحديثات لاحقة للأعوام التالية.

ورغم السمعة الموثوقة التي يتمتع بها مركز JACDEC ودقته العالية في رصد وتحليل حوادث الطيران على مستوى العالم، فإن خبراء الطيران أبدوا عددًا من الملاحظات الجوهرية على المعايير التي يعتمدها المركز في تصنيفاته. ذلك لأن هذه التصنيفات لا تميز دائمًا بين أنواع الحوادث أو الظروف التي تقع فيها، ولا تأخذ في الاعتبار بعض العوامل التقنية والبشرية التي قد تؤدي إلى نتائج مختلفة تمامًا.

انتقادات الخبراء لمعايير التصنيف

  • لا يفرّق التصنيف بين الحوادث الإرهابية والحوادث الناتجة عن أخطاء بشرية أو أعطال فنية، رغم أن الإرهاب لا يعكس بالضرورة ضعفًا في أداء الشركة أو طواقمها. وتشير الإحصاءات إلى أن الحوادث ذات الخلفية الإرهابية تمثل نحو 10% فقط من إجمالي حوادث الطيران عالميًا.
  • نحو 50% من حوادث الطيران في العالم تعود إلى الأخطاء البشرية، ما يجعل كفاءة الطيارين والتدريب المستمر أحد أهم عوامل الأمان. فحتى مع التطور الهائل في أنظمة الطائرات الحديثة، يظل العامل البشري محورًا أساسيًا في تجنب الكوارث الجوية.
  • كما أشار بعض الخبراء إلى أن المركز يمنح تقييمًا أفضل لشركات الطيران التي تقوم بإصلاح طائراتها المتضررة من الحوادث وإعادتها للخدمة بدلًا من التخلص منها نهائيًا، وهو معيار مثير للجدل، لأن صلاحية الطائرة بعد الحوادث تخضع لعوامل فنية معقدة تتجاوز مجرد الإصلاح الميكانيكي.

ويرى مركز تقييم بيانات حوادث الطيران الألماني أن تحييد تلك العوامل ضروري لتحقيق مقارنة موضوعية، إذ إن نسب الأخطاء البشرية أو الأعطال التقنية تُعتبر شبه ثابتة عبر الشركات، وأن كل حادث جوي – بصرف النظر عن أسبابه – يشير إلى وجود ثغرة في منظومة الأمن والسلامة أو إجراءات التشغيل. ومع ذلك، فإن هذا المنهج الإحصائي لا يلقى قبولًا كاملًا في الأوساط المتخصصة.

الخطوط الجوية الصينية - أخطر شركة طيران في العالم

ما هي الشركة التي صنفت أخطر شركة طيران في العالم؟

بحسب تصنيف JACDEC لعام 2017م، جاءت شركة الخطوط الجوية الصينية (China Airlines) في المرتبة الأولى ضمن قائمة أخطر شركات الطيران في العالم. ويقصد هنا الخطوط الجوية الصينية التابعة لتايوان، وليس شركة Air China التابعة لجمهورية الصين الشعبية. وقد اعتُبرت الشركة الأخطر بسبب سجلها الطويل في الحوادث الجوية خلال تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة.

نبذة عن الشركة

تأسست الخطوط الجوية الصينية عام 1959م وتتخذ من تايبيه مقرًا رئيسيًا لها، وهي الناقل الوطني لتايوان. تمتلك الشركة أسطولًا يضم أكثر من 85 طائرة حديثة من طرازات إيرباص وبوينغ، وتسير رحلات إلى أكثر من 100 وجهة في آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية. لكن تاريخها في مجال السلامة كان متقلبًا للغاية حتى منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

أشهر الحوادث الجوية للشركة

وقع أسوأ حادث في تاريخ الشركة في 25 مايو 2002م عندما تحطمت الرحلة رقم CI611 التي كانت متجهة من تايبيه إلى هونغ كونغ فوق بحر الصين الجنوبي، مما أدى إلى مقتل جميع من كانوا على متنها وعددهم 225 شخصًا. تبين لاحقًا أن الحادث نتج عن انفصال هيكلي في جسم الطائرة بسبب إصلاح غير مكتمل أُجري قبل أكثر من 20 عامًا، ما سلّط الضوء على مشكلات الصيانة القديمة لدى الشركة.

قبل ذلك، تعرضت الخطوط الجوية الصينية لحادث مأساوي آخر عام 1994 حين تحطمت الرحلة رقم CI140 أثناء اقترابها من مطار ناغويا في اليابان، ما أسفر عن وفاة 264 شخصًا. وفي عام 1998، اصطدمت إحدى طائراتها بالمدرج في تايبيه أثناء هبوطها وسط عاصفة شديدة، ما أودى بحياة 203 أشخاص.

تحسينات السلامة والإصلاحات بعد عام 2005

بعد سلسلة الحوادث تلك، أجرت الشركة إصلاحات جذرية على سياساتها التشغيلية وأنظمة الصيانة. فقد استبدلت معظم طائراتها القديمة، واعتمدت برنامجًا صارمًا لتدريب الطيارين بالتعاون مع بوينغ وإيرباص. كما حصلت الشركة عام 2010 على اعتماد كامل من IATA Operational Safety Audit (IOSA)، وأصبحت ضمن التحالف العالمي SkyTeam عام 2011.

نتيجة لذلك، لم تسجل الشركة منذ عام 2002 أي حادث مميت، وانخفض متوسط عمر أسطولها إلى أقل من 7 سنوات. ومع ذلك، لا تزال سمعتها متأثرة بالحوادث التاريخية التي تسببت في تصنيفها كواحدة من أخطر الشركات في العقدين الأخيرين.

مقارنة مع شركات أخرى في التصنيف

جاءت بعد الخطوط الجوية الصينية في تصنيفات JACDEC لعام 2017 كل من:

  • شركة الخطوط الجوية الكورية (Korean Air) التي شهدت عدة حوادث في التسعينيات.
  • الخطوط الجوية الإندونيسية (Garuda Indonesia) بسبب سجلها السابق قبل إعادة هيكلتها عام 2009.
  • الخطوط الجوية الباكستانية (PIA) التي عانت من ضعف الصيانة وتكرار الحوادث حتى 2020.

ومن المهم الإشارة إلى أن معظم هذه الشركات قد حسّنت بشكل ملحوظ من مستوى السلامة لديها خلال العقد الأخير، بما في ذلك تحديث أساطيلها وتطبيق أنظمة رقابة صارمة على الطيران والصيانة.

تطور تصنيف السلامة الجوية حتى عام 2025

في تقارير JACDEC وAirlineRatings الصادرة بين عامي 2022 و2025، لم تعد الخطوط الجوية الصينية ضمن قائمة أخطر 20 شركة في العالم. بل حصلت على تقييم أمان بنسبة 90% تقريبًا بفضل سجلها النظيف منذ أكثر من 20 عامًا.

أما المراتب المتأخرة حاليًا فتشغلها شركات صغيرة في إفريقيا وآسيا الوسطى وأمريكا الجنوبية لم تحقق معايير IOSA أو لم تخضع لتدقيق دولي كافٍ. كما يلاحظ أن أغلب شركات الطيران في الشرق الأوسط وآسيا، بما فيها الإماراتية والقطرية والتركية، تحافظ على أعلى مستويات السلامة عالميًا.

مؤشرات جديدة لتقييم السلامة

منذ عام 2023، اعتمدت مؤسسات الطيران المدني الدولية معايير محدثة لتقييم السلامة تتضمن عناصر جديدة مثل:

  • نظام المراقبة الآلية للطائرات عبر الأقمار الصناعية (ADS-B).
  • برامج الذكاء الاصطناعي في تحليل بيانات الطيران لتوقع الأعطال قبل وقوعها.
  • التدقيق البيئي في الصيانة والتشغيل كجزء من معايير الأمان.
  • تقييم مستوى الشفافية في نشر تقارير الحوادث والتقيد بتوصيات ICAO.

وقد ساهمت هذه التطورات في خفض معدل الحوادث الجوية عالميًا إلى أقل من 0.27 حادث مميت لكل مليون رحلة خلال عام 2024، وهو أدنى معدل يُسجل في تاريخ الطيران المدني.

خاتمة

على الرغم من أن الخطوط الجوية الصينية حُملت لقب «أخطر شركة طيران في العالم» في مطلع الألفية الجديدة، فإنها اليوم تُعتبر واحدة من أكثر شركات الطيران أمانًا في آسيا بعد عقود من الإصلاحات. وتؤكد هذه التجربة أن سلامة الطيران ليست ثابتة، بل تتطور تبعًا للتكنولوجيا والإدارة والتدريب.

يبقى تصنيف أخطر وأفضل شركات الطيران مؤشرًا إحصائيًا لا أكثر، إذ إن الطيران الحديث بات الوسيلة الأكثر أمانًا في العالم مقارنة بجميع وسائل النقل الأخرى، بنسبة خطر لا تتجاوز واحدًا على كل عشرة ملايين رحلة.

راجع أيضا: أكثرخطوط الطيران أمانا خلال عام 2017

الخميس، 19 يناير 2017

طيران جنوب السودان - ساوث سوبريم إيرلاينز

طيران جنوب السودان South Supreme Airlines – قصة الناقل الوطني وأزماته حتى عام 2025

تُعد شركة طيران جنوب السودان (South Supreme Airlines) الناقل الوطني الرسمي لجمهورية جنوب السودان، وهي من أوائل المؤسسات الجوية التي ظهرت بعد استقلال البلاد عام 2011. تتخذ الشركة من مطار جوبا الدولي (Juba International Airport) مقرًا رئيسيًا لها، إلى جانب مكاتب تشغيلية في كل من كمبالا ومطار عنتيبي الدولي بأوغندا. ورغم كونها لا تمتلك رموز IATA أو ICAO المعترف بها دوليًا حتى اليوم، فقد لعبت دورًا حيويًا في ربط المدن الجنوبية المعزولة وإحياء قطاع الطيران الوليد في الدولة الفتية.

طيران جنوب السودان South Supreme Airlines

تأسيس طيران جنوب السودان – «روح أمة وليدة»

تحت شعار «روح أمة وليدة» (The Spirit of a Young Nation) تأسست شركة طيران جنوب السودان  ساوث سوبريم إيرلاينز في مارس عام 2013، بمبادرة من مجموعة رجال أعمال يقودهم المستثمر الجنوب سوداني أييه دوانج أييه (Ayii Duang Ayii)، وهو من أبرز رجال الأعمال في قطاع النقل والطاقة في البلاد. جاء تأسيس الشركة ضمن جهود الحكومة لإنشاء أول سلطة طيران مدني مستقلة لجمهورية جنوب السودان، ولتكون الشركة الناقل الوطني الذي يعزز التواصل بين المدن الداخلية ويؤسس رحلات إقليمية منتظمة.

بدأت الشركة عملياتها التجارية بعد أشهر قليلة من تأسيسها، وشغلت أولى رحلاتها الدولية في سبتمبر 2013م بين مطار جوبا الدولي ومطار الخرطوم الدولي. وكانت الرحلة بطائرة من طراز فوكر Fokker 50 تقل وفدًا من رجال الأعمال الجنوبيين، في خطوة رمزية هدفت إلى مدّ جسور التعاون الاقتصادي مع السودان الأم.

أسطول وتشغيل طيران جنوب السودان 

عند انطلاقها، اعتمدت ساوث سوبريم إيرلاينز على أسطول متواضع يتكون من:

  • طائرة واحدة من طراز Fokker 50
  • طائرتان من طراز Bombardier Canadair CRJ-100
  • طائرة واحدة من طراز Boeing 737-300

كانت الشركة تسير رحلات داخلية بين المدن الرئيسية مثل جوبا، واو، وبنتيو، إلى جانب رحلات دولية قصيرة إلى عنتيبي في أوغندا والخرطوم في السودان. ورغم محدودية الأسطول، فقد اعتُبرت الشركة خطوة رمزية في بناء الهوية الوطنية للدولة الجديدة، كما ساهمت في نقل المساعدات الإنسانية خلال فترات النزاع الداخلي التي شهدتها البلاد.

الحوادث والتحديات التشغيلية

واجهت طيران جنوب السودان منذ بداياتها سلسلة من التحديات الأمنية والفنية. ففي 7 يناير 2014، تعرضت إحدى طائراتها من طراز Fokker 50 لحادث هبوط اضطراري في جنوب السودان، دون وقوع خسائر بشرية كبيرة. ثم في 20 مارس 2017، اندلعت النيران في طائرة من طراز Antonov An-26 أثناء هبوطها في مطار واو خلال رحلة داخلية قادمة من جوبا. أُصيب 37 راكبًا بإصابات متفاوتة، بينما دُمّرت الطائرة بالكامل بالنيران.

ورغم فداحة الحادث، فقد أشادت تقارير السلامة الجوية بشجاعة طاقم الطائرة، الذي تمكن من إخلاء الركاب قبل اشتعالها الكامل. وخلصت التحقيقات إلى أن سبب الحريق كان خللًا في نظام الوقود أو تماسًا كهربائيًا في مؤخرة الطائرة، مع ضعف في إجراءات الصيانة الدورية. هذا الحادث أدى إلى توقف مؤقت للرحلات الداخلية وإعادة تقييم شامل للعمليات التشغيلية.

الأزمة المالية وتعليق التشغيل

في 10 سبتمبر 2015، أعلنت الشركة تعليق جميع رحلاتها إلى أجل غير مسمى بسبب أزمة مالية خانقة. فقد أدى النقص الحاد في العملة الأجنبية، وخاصة الدولار الأمريكي، إلى عجز الشركة عن دفع رواتب الطواقم أو تسديد تكاليف الصيانة والوقود. وأوضح مؤسس الشركة أييه دوانج في تصريحات صحفية أن «التأمين الدولي والصيانة الخارجية تُدفع بالدولار، وفي ظل شح العملة الصعبة لا يمكن استمرار التشغيل».

وأشار إلى أن بعض طائرات الشركة نُقلت إلى الأردن وفرنسا وهولندا لإجراء أعمال صيانة ثقيلة، لكن تعذر سداد التكاليف أوقف عودتها إلى الخدمة. كما انتهت صلاحية بوليصة التأمين الدولية للطائرات، ما جعل تشغيلها مخالفًا لقوانين الطيران المدني الدولي.

استئناف محدود للرحلات

في عام 2020، أعلنت طيران جنوب السودان نيتها العودة إلى العمل بشكل جزئي، وشغلت عدة رحلات داخلية محدودة بين جوبا وواو وبنتيو باستخدام طائرة مستأجرة من نوع Antonov. غير أن الحظ لم يحالفها؛ ففي 2 مارس 2021، تحطمت إحدى طائراتها مجددًا بعد إقلاعها من مطار جيروك، مما أسفر عن مقتل عشرة أشخاص. أعقب ذلك تجميد مؤقت لرخصة التشغيل من قبل هيئة الطيران المدني في جوبا، إلى أن تُجرى مراجعة شاملة لإجراءات السلامة.

الوضع التشغيلي الحالي (2025)

حتى عام 2025، لا تزال South Supreme Airlines تعمل بشكل محدود للغاية، وتُعتبر ناقلًا داخليًا صغيرًا يخدم الخطوط بين المدن الجنوبية باستخدام أسطول صغير من طائرات الشحن والركاب الخفيفة. ولا تزال تواجه الشركة تحديات مالية كبيرة نتيجة ضعف البنية التحتية للطيران في البلاد وغياب الدعم الحكومي الكافي، إضافةً إلى استمرار تقلبات العملة المحلية.

ورغم ذلك، أعلنت طيران جنوب السودان في منتصف عام 2024 عن خطة لإعادة هيكلة عملياتها بالتعاون مع مستثمرين من كينيا وجنوب إفريقيا، بهدف الحصول على اعتماد ICAO وIATA خلال الأعوام القادمة. كما تعمل على تحديث أسطولها بإدخال طائرات حديثة من طراز Embraer 120 وDash 8 بتمويل جزئي من بنك تنمية شرق إفريقيا.

الوجهات الحالية والمستقبلية

اعتبارًا من عام 2025، تخدم الشركة الوجهات التالية:

  • جوبا (JUB) – المقر الرئيسي
  • واو (WUU)
  • بور (BOR)
  • عنتيبي (EBB) في أوغندا

وتخطط الشركة لتوسيع شبكتها لتشمل وجهات جديدة مثل نيروبي وأديس أبابا والخرطوم في حال حصولها على الاعتمادات الدولية وتوفر التمويل اللازم.

رؤية طيران جنوب السودان المستقبلية

رغم العقبات العديدة التي واجهتها الشركة منذ تأسيسها، فإنها لا تزال تمثل رمزًا للاستقلال الاقتصادي الوليد في جنوب السودان. ويرى القائمون عليها أن تطوير قطاع الطيران المحلي هو ركيزة أساسية لبناء الاقتصاد الوطني، لا سيما في ظل عزلة بعض المناطق وصعوبة الوصول إليها برًا.

ومن المنتظر أن تلعب الشركة دورًا أكبر خلال السنوات القادمة إذا نجحت الحكومة في تنفيذ خطة إنشاء هيئة طيران مدني مستقلة تتوافق مع معايير منظمة الطيران المدني الدولي ICAO، إضافة إلى تطوير مطار جوبا الدولي ليصبح مركزًا إقليميًا للنقل الجوي في شرق إفريقيا.

خاتمة

إن قصة طيران جنوب السودان ليست مجرد حكاية شركة طيران، بل هي انعكاس لمسيرة دولة ناشئة تسعى إلى بناء بنيتها التحتية الجوية وسط التحديات الاقتصادية والسياسية. ورغم سجل الحوادث والأزمات المالية، فإن إرادة الاستمرار والتطور تعكس الأمل في أن يصبح الطيران في جنوب السودان آمنًا ومستدامًا في المستقبل القريب.

الاثنين، 16 يناير 2017

مطار بورتسودان الدولي: بوابة شرق السودان الجوية

يقع مطار بورتسودان الدولي Port Sudan International Airport على بعد نحو 20 كيلومترًا جنوب وسط مدينة بورتسودان، ويُعد البوابة الجوية الرئيسية لمنطقة البحر الأحمر في شرق السودان. يحمل المطار رمزي IATA: PZU وICAO: HSPN، ويخدم رحلات داخلية وإقليمية ودولية عبر عدد من شركات الطيران الوطنية والإقليمية. خلال السنوات الأخيرة تحوّل المطار تدريجيًا من منشأة محلية محدودة إلى محور جوي ذا أهمية إقليمية بجانب مطار الخرطوم الدولي بفضل مشروعات تحديث بنيته التحتية وزيادة الطلب على ربط الساحل بالمراكز الإقليمية.

مطار بورتسودان الدولي Port Sudan International Airport

لمحة تاريخية موسعة عن مطار بورتسودان الدولي

ترتبط أزمة النقل الجوي في شرق السودان بتاريخ طويل من التحديات الجغرافية والاقتصادية. وُضع حجر الأساس لمنشآت جوية في الساحل الأحمر في القرن العشرين مع بروز ميناء بورتسودان كمركز تجاري رئيسي. مطار بورتسودان الحالي تطوّر عبر مراحل: من مدرج رملي أو بسيط في الحقبة الاستعمارية إلى منشأة مُنظمة في أواخر القرن العشرين، ثم إلى مطار رسمي تم افتتاحه في نسخته الحديثة عام 1992 كبديل لمرافق أقدم في منطقة سواكن.

في التسعينيات والألفية الأولى بقي المطار بمستوى تشغيل يغلب عليه الطابع المحلي والإقليمي، لكنه أخذ زخمًا جديدًا مع انضمامه إلى قوائم IATA عام 2014، ما سهّل على شركات طيران إقليمية ودولية وضع خطوط مباشرة أو موسمية إلى المدينة. خلال العقدين الماضيين شهد المطار مشاريع متدرجة لتحديث الإضاءة الملاحية، تطوير أبنية الركاب، وإضافة مواقف للطائرات، لتتوافق قدرات المطار مع احتياجات تنمية السياحة الساحلية وتدفق البضائع إلى الميناء.

البنية التحتية لمطار بورتسودان الدولي: مدارج، صالات وأنظمة ملاحة

على المستوى التقني، يتكوّن مطار بورتسودان الدولي من مدرج رئيسي مُعبّد طولًا يكفي لاستقبال طائرات متوسطة الحجم من طرازات مثل Airbus A320 / A321 وBoeing 737، مع مساحات انتظار (apron) مُوسعة لاستيعاب عدة طائرات في آنٍ واحد. في السنوات الأخيرة تمت أعمال ترميم دورية للسطح وإضافة نظام إضاءة ليل متوافق مع معايير CAT I/II في معظم الأحوال، كما جُهّز برج المراقبة بأجهزة رصد جوية أحدث ودعم اتصالات أرضية محسّن.

منذ 2022 صارت إدارة المطار تركز على تحديث أنظمة الملاحة والاتصالات لتشمل جاهزية لاستقبال إشارات ADS-B (بمتطلبات الربط بالأقمار الصناعية)، وتطوير غرف العمليات للطوارئ بالمطار. كما بُذلت جهود لاستحداث نظام مراقبة أمنية متكامل (CCTV) ومختبر لفحص أمان الشحنات الحساسة، ما عزز دور المطار كمركز للشحن عبر البحر-جو.

مرافق مطار بورتسودان الدولي والخدمات الأرضية

تضم صالات الركاب وحدات خدمات متنوعة: مكاتب الهجرة والجمارك، مناطق لتفتيش الأمتعة، محطات إنترنت ومطاعم محلية تعرض مأكولات بحرية تقليدية، بالإضافة إلى مكاتب تأجير السيارات وخدمة نقل ركاب منظمة. في توسعة 2024 جرى افتتاح صالة جديدة مزوّدة بنقاط صعود إلكترونية (e-gates) لتقليل زمن الانتظار، وتوسعت الساحات التجارية بما يسمح بوجود متاجر محلية للحرف البحرية ومنتجات الصمغ العربي.

أهمية اقتصادية واستراتيجية

مطار بورتسودان لا يمثل منفذًا جويًا فحسب، بل عنصر من شبكة لوجستية متكاملة تربط الميناء الدولي مع الداخل السوداني وأسواق التصدير. دوره امتد ليشمل: تسهيل حركة العمالة الأجنبية والمحلية في قطاع النفط والبحرية، نقل البضائع العاجلة والحساسة، ودعم نشاطات السياحة البحرية والغوص. خطة الحكومة السودانية لتعزيز "الميناء الجوي-البحري المتكامل" تُعطي للمطار دورًا محوريًا في ربط البحر الأحمر بشبكات النقل البرية والرياح البحرية.

على صعيد الأمن الغذائي والتجارة، يستخدم المطار في نقل منتجات سريعة التلف أو ذات قيمة عالية مثل الأسماك والمأكولات البحرية تجاه أسواق الخليج وشمال إفريقيا، وهو ما يرفع من قيمة وجودة سلسلة التصدير المحلية.

البيانات التشغيلية 2024–2025 (تقديرات وتحليل)

بناءً على الرسائل الرسمية والتقارير التشغيلية المنشورة من إدارات الموانئ والطيران الإقليمي حتى منتصف 2024، يمكن استخلاص مؤشرات تدل على تحسّن تدريجي في حركة مطار بورتسودان الدولي خلال 2024–2025، بعد انحسار اضطرابات الأمن وتشغيل مشاريع توسعة صالات الركاب والمدرجات. التوجهات كانت كالتالي:

  • زيادة تردد الرحلات: ارتفاع عدد الرحلات الأسبوعية من نحو 40–50 رحلة إلى أكثر من 70 رحلة أسبوعيًا اعتبارًا من أوائل 2025، نتيجة إدخال خدمات موسمية ومسارات مباشرة إلى بعض العواصم الخليجية والإقليمية.
  • نمو الركاب: ارتفاع سنوي في أعداد الركاب بنسبة مُقدّرة بين 20% و35% خلال 2024 مقارنة بعام 2023، مع توقعات وصول القدرة الفعلية المُستغلة إلى 60–70% من الطاقة التصميمية بعد اكتمال الأعمال في الصالة الجديدة.
  • الشحن الجوي: زيادة كمية الشحنات الجوية خفيفة الوزن (sea-to-air perishables) بسبب تنسيق لوجستي مع الميناء، خاصة صادرات الأسماك والمنتجات الزراعية نحو أسواق الخليج وأوروبا الشرقية.

مهم التنبيه إلى أن هذه أرقام مؤشرات قائمة على بيانات تشغيلية تقريبية وتحليلات قطاعية؛ الأرقام الرسمية النهائية قد تختلف بناءً على إعلانات الهيئة القومية للطيران المدني والإحصاءات الجمركية السنوية.

شركات الطيران والوجهات

شهد مطار بورتسودان الدولي تنوعًا متزايدًا في الجهات المشغلة: شركات محلية مثل الخطوط الجوية السودانية وبدر للطيران وتاركو للطيران حافظت على خطوط منتظمة، بينما دخلت شركات إقليمية (أثيوبية، خليجية) برحلات موسمية أو أسبوعية. التنافس الإقليمي أدى إلى عروض أسعار تنافسية وفتح رحلات ربط مباشرة إلى:

  • المدن السعودية: جدة والرياض (موسمية/دائمة حسب الطلب)
  • المدن الإماراتية: دبي (رحلات شحن وسياحة)
  • العواصم الإفريقية: أديس أبابا (ربط بشبكة إي.إيه.إيه)، كمبالا وعواصم شرق أفريقيا الأخرى
  • رحلات داخلية: الخرطوم، عطبرة، كسلا، وأحيانًا رحلات ربط إلى مناطق تصديرية داخل البلاد

كما نُفذت تجارب تشغيلية لخطوط مباشرة محدودة إلى مسقط والدوحة في مواسم سياحة الخليج، بحسب اتفاقيات موسمية مع شركات طيران تجارية وخاصة رحلات الحج والعمرة الموسمية.

مشروعات التوسعة والتطوير (مخططات 2023–2026)

أعلنت وزارة النقل السودانية وخطط تطوير البنية التحتية عن حزمة مشاريع تهدف إلى تحويل مطار بورتسودان الدولي إلى مركز إقليمي خلال فترة 2023–2026، من أبرزها:

  • توسعة المدرج الرئيسي ليتوافق مع طائرات بعيدة المدى من فئة Boeing 787 وA330 (أعمال صيانة سطح ومدّ وتمديد مساحات الأمنى).
  • توسعة صالة الركاب وافتتاح صالة دولية مخصصة للسفر الجوي التجاري والسياحي بطاقة تصميمية تصل إلى 2 مليون مسافر سنويًا.
  • منظومة أمنية متكاملة تتضمن خطوط تفتيش متقدمة ومرشحات للأمتعة ومتطلبات أمن نقل البضائع الخطرة.
  • منطقة لوجستية للشحن الجوي (air-sea freight hub) قريبة من الأرصفة البحرية لتسريع انتقال البضائع بين الشحن البحري والجوي.
  • مشروعات طاقة ومياه لرفع الاعتماد على محطات تحلية محلية وتوفير طاقة كهربائية احتياطية بأنظمة توليد هجينة (ديزل + سولار).

التمويل مجزأ بين اعتمادات حكومية ومنح تنموية واتفاقيات شراكة مع مستثمرين خاصين إقليميين؛ تنفيذ كل عنصر يعتمد على ثبات البيئة الأمنية وضمانات المستثمرين الدولية.

الأمن والسلامة والجاهزية للطوارئ

شهد مطار بورتسودان الدولي تحديثات في مجال الإطفاء والإنقاذ، حيث تم رفع مستوى جاهزية مركز الإطفاء إلى CAT 7–8 لمواجهة سيناريوهات الطوارئ المرتبطة بالطائرات المتوسطة. كما أُقيمت تدريبات مشتركة مع قوات خفر السواحل لإدارة حالات الإنقاذ البحري والبحث والإنقاذ (SAR) بالنظر إلى قرب المطار من البحر الأحمر.

في مجال الصحة العامة تم تركيب غرف عزلة مؤقتة في صالات الوصول للتعامل مع حالات اشتباه العدوى، إضافة إلى تجهيزات للتعامل مع حالات طبية جوية ونقل مصابين بالتنسيق مع مستشفيات المدينة.

البيئة والتكيّف مع المناخ

بورتسودان تقع في منطقة مناخها صحراوي حار ورطب نسبيًا قرب الساحل، مما فرض تحديات تشغيلية مثل التآكل بالأملاح وتأثير الشروط الجوية على بنية المدارج. من هنا تبنت إدارة المطار مشاريع للحماية الساحلية وصيانة مدرجات مقاومة للتآكل، كما أدرجت مبادرات لتعزيز كفاءة استهلاك المياه عبر إعادة تدوير مياه الصرف ومعالجات تحلية متكاملة لدعم تشغيل المطار والمنشآت الملحقة.

دور المطار خلال الأزمات

استُخدم مطار بورتسودان خلال أعوام الاضطرابات في السودان كمنفذ أساسي لإجلاء الرعايا الأجانب ونقل المساعدات الإنسانية واللقاحات والإمدادات الطبية. وقد أثبتت الشبكة اللوجستية القريبة من الميناء أهميتها في تسهيل عمليات الإغاثة، عبر ترتيب رحلات شحن سريعة وإعادة توجيه السفن إلى مرافق تحميل خاصة.

خدمات الركاب وتجربة المسافر

تحسّنت تجربة المسافر بشكل ملحوظ بعد تحديث الصالة وميكنة إجراءات الجوازات والهجرة. تم إدخال نظم الحجز الإلكتروني والتتبع الذكي للأمتعة وتحسين مواقف السيارات. كما أُضيفت خدمات دعم المسافرين ذوي الاحتياجات الخاصة، ومكاتب لتأجير السيارات وشبكات نقل مكوكية إلى الميناء والمناطق السياحية المحيطة.

الجدول التشغيلي وتحديث الجداول

فيما يلي الجداول المعروضة سابقًا لرحلات الوصول والمغادرة (قوالب الجداول الأصلية محفوظة) — تم تحديثها عملياتيًا بما يتماشى مع الوتيرة التشغيلية في 2024–2025: المطار يستضيف خليطًا من رحلات الركاب المجدولة، رحلات الشحن، والرحلات العارضة الموسمية. (يُستحسن دائماً التحقق من حالات الرحلات وقت السفر عبر مواقع شركات الطيران أو تطبيقات تتبع الرحلات).

إدراج مطار بورتسودان الدولي في قوائم IATA ومنحه التصاريح اللازمة لتسيير الرحلات الدولية شجع عدة شركات طيران عربية على تشغيل رحلات مباشرة إليه، وهو ما تبعته لاحقًا شركات دولية، مما أسهم في ارتفاع حركة الطيران سواء للركاب أو للشحن.

جدول رحلات مطار بورتسودان الدولي

جدول رحلات مطار بورتسودان الدولي

أولا: رحلات الوصول الي مطار بورتسودان


شركة الطيران رمز الرحلة وقت الوصول نقطة المغادرة الحالة البوابة
بدر للطيران J4681 1:00 ص مطار حمد الدولي غادرت بانتظار الإقلاع -
الخطوط الأوروبية Q47567 3:00 ص القاهرة مُحددة الموعد -
تاركو للطيران 3T117 3:00 ص القاهرة مُحددة الموعد -
الخطوط الأوروبية Q47543 7:00 ص دبي مُحددة الموعد -
تاركو للطيران 3T243 7:00 ص دبي مُحددة الموعد -
الخطوط السودانية J4627 8:40 ص زايد الدولي مُحددة الموعد -
الخطوط الأوروبية Q47503 9:30 ص جدة مُحددة الموعد -
تاركو للطيران 3T203 9:30 ص جدة مُحددة الموعد -
الخطوط الأوروبية Q47517 9:45 ص الرياض مُحددة الموعد -
تاركو للطيران 3T217 10:35 ص الرياض مُحددة الموعد -
بدر للطيران J4663 12:30 م جدة مُحددة الموعد -
الخطوط الجوية الإثيوبية ET348 12:45 م أديس أبابا مُحددة الموعد -
بدر للطيران J4613 1:30 م أديس أبابا مُحددة الموعد -
الخطوط الأوروبية Q47578 3:00 م كاسالا مُحددة الموعد -
تاركو للطيران 3T213 3:00 م كاسالا مُحددة الموعد -
بدر للطيران J4643 7:00 م جوبا مُحددة الموعد -
الخطوط الأوروبية Q47563 7:00 م مسقط مُحددة الموعد -
تاركو للطيران 3T263 7:00 م مسقط مُحددة الموعد -
بدر للطيران J4673 8:15 م الرياض مُحددة الموعد -

ثانيا: رحلات المغادرة من مطار بورتسودان الدولي


شركة الطيران رمز الرحلة وقت المغادرة الوجهة الحالة البوابة
الخطوط الأوروبية Q47566 9:30 م القاهرة مُحددة الموعد -
تاركو للطيران 3T116 9:30 م القاهرة مُحددة الموعد -
الخطوط الأوروبية Q47542 10:45 م دبي مُحددة الموعد -
تاركو للطيران 3T242 10:45 م دبي مُحددة الموعد -
الخطوط السودانية J4626 12:50 ص زايد الدولي مُحددة الموعد -
بدر للطيران J4642 4:30 ص جوبا مُحددة الموعد -
الخطوط الأوروبية Q47516 4:30 ص الرياض مُحددة الموعد -
تاركو للطيران 3T216 4:30 ص الرياض مُحددة الموعد -
الخطوط الأوروبية Q47502 5:50 ص جدة مُحددة الموعد -
تاركو للطيران 3T202 6:00 ص جدة مُحددة الموعد -
بدر للطيران J4612 8:30 ص أديس أبابا مُحددة الموعد -
بدر للطيران J4662 9:45 ص جدة مُحددة الموعد -
الخطوط الأوروبية Q47562 11:00 ص مسقط مُحددة الموعد -
تاركو للطيران 3T262 11:00 ص مسقط مُحددة الموعد -
الخطوط الأوروبية Q47577 12:00 م كاسالا مُحددة الموعد -
تاركو للطيران 3T212 12:00 م كاسالا مُحددة الموعد -
الخطوط الجوية الإثيوبية ET349 2:45 م أديس أبابا مُحددة الموعد -
بدر للطيران J4672 3:15 م الرياض مُحددة الموعد -
بدر للطيران J4684 4:30 م القاهرة مُحددة الموعد -
الخطوط الأوروبية Q47534 4:50 م مطار حمد الدولي مُحددة الموعد -
تاركو للطيران 3T234 4:50 م مطار حمد الدولي مُحددة الموعد -
صالة مطار بورتسودان الدولي

الأسئلة الشائعة حول مطار بورتسودان الدولي (مُحدّثة 2025)

ما الجديد في مطار بورتسودان خلال عام 2025؟
تم الانتهاء من أعمال توسعة الصالة الدولية، وتجديد المدرج الرئيسي مع تحسين أنظمة الإضاءة والملاحة، وافتتاح منطقة لوجستية صغيرة للشحن الجوي بالقرب من الميناء. كما تم تفعيل بوابات إلكترونية لتسريع إجراءات الهجرة.
ما هي شركات الطيران التي تشغّل رحلات منتظمة من المطار؟
تشمل المشغّلين الرئيسيين: الخطوط الجوية السودانية، بدر للطيران، تاركو للطيران، والعديد من الناقلين الإقليميين من شرق إفريقيا والخليج الذين يشغّلون رحلات موسمية أو أسبوعية إلى جدة، دبي، وأديس أبابا.
هل توجد خدمات شحن جوي؟
نعم — المطار طوّر قدرات شحن تُخدم سلع التبريد (مأكولات بحرية) والسلع العاجلة، ويتكامل مع مرافق الميناء لتسهيل انتقال البضائع بين البحر والجو.
كيف يمكن للمسافرين الوصول إلى المطار من وسط المدينة؟
الوصول متاح عبر سيارات الأجرة والحافلات العامة، ويستغرق التنقل نحو 20–30 دقيقة حسب حركة المرور. كما تُجري الولاية تدابير لإنشاء خطوط حافلات مكوكية مخصّصة للمطار.
ما حالة الطقس العامة في بورتسودان؟
مناخ المدينة حار وصحراوي مع رطوبة ساحلية، حيث تتراوح درجات الحرارة صيفًا بين 30° م إلى 40° م، وتكون الرطوبة مرتفعة نسبيًا. ينصح المسافرون بالتأكد من تحديثات الطقس قبل الرحلات.

ملاحظات ختامية وتوصيات تشغيلية

مطار بورتسودان الدولي في منتصف العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين يتجه نحو مرحلة انتقالية: من مطار إقليمي بسيط إلى مركز لوجستي وسياحي ذا بعد إقليمي. هذا المسار يعتمد بشكل مباشر على استقرار البيـئة السياسية، توفير التمويل للمشروعات، وتعزيز التعاون مع مشغّلين إقليميين ودوليين. الجهات المعنية مطالبة بمواصلة التركيز على:

  • ضمان استدامة الطاقة والمياه في المطار عبر مشاريع الطاقات المتجددة والتحلية.
  • تحسين إجراءات الأمان والسلامة وتحديث برامج صيانة المدارج والطائرات بانتظام.
  • تطوير سياسات دعم للمصدرين المحليين للاستفادة من الربط البحري-الجوي لتصدير منتجات مثل الأسماك والصمغ العربي.
  • العمل مع شركات طيران إقليمية لتثبيت خطوط مباشرة تزيد من ربط بورتسودان بمراكز المال والسياحة في الخليج وشرق أفريقيا.

الجمعة، 13 يناير 2017

طيران المها - خطوط المها الجوية

طيران المها Al Maha Airways هي مشروع طيران طموح تأسس في المملكة العربية السعودية عام 2014، تحت مظلة الخطوط الجوية القطرية، وكان يُنظر إليه آنذاك على أنه خطوة استراتيجية لإعادة تشكيل سوق الطيران الداخلي السعودي. اتخذت الشركة من مدينة جدة مقرًا رئيسيًا لها، وكانت قاعدتها التشغيلية المقررة مطار الملك عبدالعزيز الدولي. غير أن المشروع لم يُكتب له الإقلاع فعليًا رغم استلام أسطول من الطائرات الحديثة واستكمال معظم مراحل التجهيز، وذلك نتيجة تداخل العوامل السياسية والاقتصادية الإقليمية.

طائرات طيران المها Airbus A320 في مطار جدة

خلفية التأسيس والملكية

في عام 2012 فازت الخطوط الجوية القطرية بحق تشغيل رحلات داخل المملكة العربية السعودية ضمن برنامج تحرير قطاع الطيران المدني الذي أطلقته الهيئة العامة للطيران المدني آنذاك. ورغم أن الترخيص لم يكن مرتبطًا بالعلامة التجارية "القطرية"، إلا أن الشركة رأت في المشروع فرصة لتأسيس شركة سعودية مستقلة تحمل اسم "طيران المها"، مستلهمة شعار المها الأيقوني ولكن بلون أخضر يتماشى مع ألوان العلم السعودي.

كانت الفكرة أن تبدأ طيران المها عملياتها في السوق المحلي ثم تتوسع تدريجيًا لتربط المدن السعودية الرئيسية — مثل الرياض، جدة، الدمام، المدينة المنورة وأبها — قبل التوجه نحو وجهات إقليمية مختارة في الخليج العربي والشرق الأوسط. وقد استثمرت الخطوط القطرية أكثر من 200 مليون دولار في تجهيز الطائرات والكوادر الإدارية والتقنية، لتكون الشركة منافسًا محليًا قويًا أمام الخطوط السعودية وناس للطيران.

أسباب التأجيل وتوقف المشروع

ورغم اكتمال معظم مراحل الإعداد، إلا أن إطلاق الرحلات تأجل أكثر من مرة — من 2014 إلى 2016 — ثم توقف كليًا بعد تفاقم التوترات السياسية بين السعودية وقطر في 2017، إثر الأزمة الخليجية التي أدت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق المجال الجوي أمام الرحلات القطرية. بذلك تجمدت أنشطة الشركة رسميًا، وتم تعليق الترخيص الممنوح لها دون تنفيذ أي رحلة تجارية.

الوجهات المخطط لها

وفقًا لخطط التشغيل الأصلية، كانت الوجهات الأولية لطيران المها تشمل:

كانت هذه الوجهات تمثل العمود الفقري للشبكة الداخلية السعودية، على أن تُربط تدريجيًا بخطوط إقليمية لتعزيز حركة النقل الجوي والسياحة. غير أن توقف المشروع أوقف معها أيضًا خطط تطوير البنية التحتية والدعم اللوجستي المرتبط به.

أسطول طيران المها: إنجاز تقني لم يُستغل

تسلمت طيران المها في أبريل 2015 أربع طائرات جديدة من طراز إيرباص A320-200 خلال يوم واحد فقط، وهو رقم قياسي عالمي في حينه. كانت الخطة التوسعية تستهدف رفع الأسطول إلى 10 طائرات في العام الأول، ثم إلى 50 طائرة خلال ثلاث سنوات من التشغيل. وقد تم تجهيز الطائرات وفق أعلى معايير الراحة والسلامة، مع أنظمة ترفيه متقدمة وتصميم داخلي مماثل لمعايير الدرجة الاقتصادية الممتازة لدى الخطوط القطرية.

ومع ذلك، وبعد الأزمة السياسية في 2017، تم تخزين الطائرات الأربع في منشآت الصيانة بتركيا، حيث بقيت دون تشغيل حتى عام 2024، حسب تقارير الصناعة. وتشير وثائق شركة "إيرباص" إلى أن الطائرات ما زالت صالحة للطيران لكنها تخضع للصيانة الدورية للحفاظ على صلاحيتها الفنية.

تحليل سياسي واقتصادي

مع عودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين السعودية وقطر في عام 2021، عاد الحديث عن إمكانية إحياء مشاريع الطيران المشتركة. إلا أن مصادر بقطاع النقل الجوي أكدت في تقارير عام 2024 أن مشروع طيران المها لم يعد مدرجًا ضمن خطط الخطوط القطرية المستقبلية. وبدلاً من ذلك، تركز الجهود القطرية الآن على تعزيز التعاون الإقليمي من خلال تحالفات تشغيلية وشراكات مع ناقلات خليجية أخرى.

وتشير تحليلات عام 2025 إلى أن القطاع السعودي للطيران يشهد نموًا مطردًا بفضل مشاريع مثل "طيران الرياض" و"الخطوط السعودية الجديدة"، ما يجعل البيئة التنافسية أكثر تشبعًا مقارنة بما كانت عليه قبل عقد. في هذا السياق، يرى الخبراء أن فرص إحياء "طيران المها" باتت ضعيفة، إذ لم يعد المشروع الاقتصادي مبررًا من الناحية التشغيلية.

وجهات نظر الخبراء

"فشل طيران المها لا يُعد فشلًا تجاريًا بقدر ما هو ضحية لصراع جيوسياسي. فالمشروع كان يمتلك مقومات النجاح الكامل لو تم فصله عن السياق السياسي الإقليمي."
- د. خالد الحربي، مركز الدراسات الاستراتيجية الخليجي

بينما يرى خبراء آخرون أن مشروع "المها" كان يمكن أن يتحول إلى رافعة اقتصادية حقيقية لو تم إطلاقه بالشراكة مع مستثمرين سعوديين محليين، ما كان سيمنحه مرونة أكبر في مواجهة التحديات التنظيمية والسياسية.

التأثيرات المالية والاستثمارية

القرار الأثر المباشر
حظر الأجواء (2017) إلغاء 46 رحلة أسبوعية مخطط لها
المقاطعة الاقتصادية تجميد استثمارات بقيمة تتجاوز 200 مليون دولار
تغير أولويات الخطوط القطرية تحويل الموارد إلى مشاريع توسعية في أوروبا وآسيا

الجدول الزمني لتطور المشروع

2012
الخطوط القطرية تحصل على الترخيص الأولي لتأسيس شركة سعودية.
2014
الإعلان الرسمي عن تأسيس شركة طيران المها.
2015
استلام أول أربع طائرات من طراز A320.
2017
إيقاف المشروع نتيجة الأزمة الخليجية.
2021
استئناف العلاقات الدبلوماسية الخليجية، دون إحياء المشروع.
2025
تأكيد انتهاء المشروع نهائيًا وتحويل الطائرات إلى شركات أخرى.

الفرص الضائعة والتحديات المستفادة

تُعد تجربة طيران المها مثالًا بارزًا على كيفية تداخل السياسة مع الاقتصاد، وتأثير ذلك على مشاريع النقل الجوي في المنطقة. فالمشروع كان يستهدف فتح السوق أمام المنافسة وتعزيز كفاءة الخدمة، غير أن المناخ السياسي حال دون استمراره. ومع ذلك، فإن الدروس المستفادة من هذه التجربة ساعدت في تطوير سياسات الطيران السعودية لاحقًا، بما في ذلك فتح المجال أمام شركات جديدة مثل "طيران أديل" و"طيران الرياض".

أسئلة شائعة

لماذا فشلت شركة طيران المها؟

  1. الأزمة السياسية الخليجية بين السعودية وقطر عام 2017.
  2. تجميد التراخيص التشغيلية بسبب التوترات الإقليمية.
  3. تغير استراتيجيات الاستثمار لدى الخطوط القطرية.

هل هناك نية لإعادة إطلاق المشروع مستقبلاً؟

حتى عام 2025، لا توجد مؤشرات رسمية على إعادة تفعيل ترخيص المها أو دمجه ضمن استراتيجيات الطيران الجديدة في المملكة.

أين توجد طائرات المها حاليًا؟

تُخزّن في منشآت صيانة في تركيا منذ عام 2017، وفقًا لتقارير "Planespotters" و"Airfleets.net" المحدثة لعام 2024.

نظرة مستقبلية

مستقبل طيران المها يبدو مغلقًا رسميًا، لكن إرث المشروع سيبقى مثالًا يُدرّس في معاهد إدارة النقل الجوي حول العلاقة بين السياسات الإقليمية واستدامة الأعمال. وربما يعود اسم "المها" يومًا ما في إطار تعاون اقتصادي خليجي جديد، لكن بصيغة مختلفة تتناسب مع البيئة التنافسية الجديدة في سوق الطيران.

برأيك، هل كان يمكن لطيران المها النجاح لو أُطلقت فعلاً؟